IMLebanon

…إلا زعيمي! (بقلم طوني أبي نجم)

في لبنان الناس ناقمون، ولم يكن ينقصهم غير كارثة الحرائق التي ضربت المناطق اللبنانية لتزيد من النقمة الجماعية. كل لبناني ناقم على كل الأوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية والسياسية. يستحيل أن تجد لبنانياً واحداً راضياً عمّا يجري على كل المستويات، حتى الذين يُغالون في المزايدات.

المشكلة تكمن في مكان آخر مختلف كلياً، وهو حين يبدأ البحث عن المسؤول عمّا نحنا فيه، وعمّن يتحمّل المسؤولية، فهنا نصبح في إعجاز حقيقي. تراشق الاتهامات لا يقتصر على المسؤولين بل هو معمم لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، حتى الذين يرفعون شعار “كلن يعني كلن”، لأنه بسؤالهم عن زعيم محدد يأتيك الجواب: “كلّن… إلا زعيمي”!

إنه الواقع الذي يختصر الشارع اللبناني بكل أسف. فبالنسبة إلى مناصري حركة “أمل” الجميع مسؤول عما وصلنا إليه وعن الفساد المستشري في البلد وعن التوظيفات والمحاصصة والهدر والسرقات والسمسرات… باستثناء الرئيس نبيه بري!

الأمر كذلك بالنسبة إلى تيار المستقبل. الجميع مسؤول ومشارك باستثناء تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري.

لا يختلف الأمر بالنسبة للحزب التقدمي الاشتراكي لأن الجميع متورط باستثناء وليد بيك!

ومن العبث طبعاً أن تحاول إقناع مناصري تيار “المردة” بأن سليمان فرنجية كان مشاركاً في كل شيء من الـ1990 وحتى اليوم. فسليمان بيك و”المردة” مثل امرأة قيصر حتما والجميع مسؤولون باستثنائهم!

ومهما سألت جماعة “حزب الله” عن الفضائح الكثيرة ومنها فضيحة صلاح عز الدين التي أظهرت أن مسؤولين في الحزب يملكون ملايين الدولارات، أو الفضائح التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قلب بيئة الحزب، يسارع مناصرو الحزب النفي واتهام الآخرين.

وحين تسأل مناصري “التيار الوطني الحر” عن كل أخبار الفساد والصفقات يهبّون لتبرئة “التيار” ومسؤوليه ويلقون الاتهام على الآخرين…

أما “القوات اللبنانية” فكانت في موقع المُضطهد والملاحق والمُعتقل منذ العام 1991 وحتى العام 2005، وبالتالي لم تشارك في السلطة. وبعد هذا التاريخ بقي أداء وزرائها موضع تنويه من جميع اللبنانيين، إنما يرفض مناصرو “القوات” تحميل أي مسؤولية لـ”الحكيم” في كل ما يجري رغم أنه شريك أساسي في إيصال العهد الحالي. كما يضطر القواتيون في أحيان كثيرة لغض النظر عن فساد كثير بناء على تقاطعات سياسية. ففي مرحلة “اتفاق معراب” لم تتحدث “القوات” عن أي شبهة فساد على “التيار الوطني الحر”، كما تتغاضى اليوم عن ذكر أي فساد متصل بأي حليف أو صديق قديم أو جديد!

الكتائبيون أيضاً يحاربون الفساد لكنهم يتفادون بشكل كامل أي حديث عن مرحلة وزيرهم سجعان قزي في وزارة العمل وكل الروائح التي انبعثت من أدائه!

والأمر يتكرر مع جميع من تعاطى ويتعاطى السياسة في لبنان من شخصيات وأحزاب، فالمناصرون يصرّون على أن “جميع الآخرين متورطون… إلا زعيمي”!

والسؤال الكبير: إذا كان جميع المذكورين الذين شاركوا في الحكم منذ “الطائف” وحتى اليوم غير مسؤولين إن لم يكن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر بتغطية متورطين أو عدم محاسبتهم، فمن هو المسؤول عندها؟! كيف يمكن محاسبة أي شخص يملك مليارات الدولارات في حساباته المصرفية نتيجة الفساد لا سمح الله، في حال كان ثمة بيئة شعبية حاضنة مستعدة أن تدافع عنه “بالروح والدم” مهما بلغت ارتكاباته؟! عن أي محاسبة أو مساءلة يمكن أن نتحدث في لبنان؟ أي أموال منهوبة يمكن استعادتها طالما أن البيئات الطائفية والحزبية والزعاماتية تؤمن الحماية المطلقة لأي “زعيم” مهما فعل؟! وهل يمكن الحديث عن أي ديمقراطية ومحاسبة في ظل منطق تأليه الزعماء الممنوع محاسبتهم مهما فعلوا وارتكبوا؟!

قد يكون الحلّ- الحلم لكل أزمات لبنان يبدأ في أن تحاسب كل فئة زعيمها قبل فوات الأوان، لأنه لو غيّرنا 128 نائباً وأتينا بحكومة جميع وزرائها جدد، سيبقى “الزعماء” يتحكمون بمصير البلد ويعطلون كل شيء من خلال أزلامهم في كل الإدارات ومفاصل الدولة، ويقيناً أنه يستحيل على أي سلطة مهما كانت جديدة ونزيهة أن تغيّر كل الإدارة وجميع الموظفين الذين يدينون بولاء أعمى لزعمائهم…

في اختصار، عبثاً يسعى أحد إلى الخروج من أي مأزق في لبنان طالما أن الشعار المرفوع في شوارعنا المتعددة هو: “… إلا زعيمي”!