IMLebanon

حين يتكبد “التيار” الفاتورة الأغلى للثورة

الثورات ليست ابنة ساعتها. أثبتت التجارب التاريخية أن الانتفاضات الشعبية المباغتة، تماما كما هي حال ثوار انتفاضة 17 تشرين الأول، التي تعد المثل الأوضح لهذه النظرية، لأن ما حسبه أركان الحكم والحكومة مجرد حركة احتجاجية على ضريبة جديدة خطر في بال السلطة أن تصفع بها المواطنين، تحول ثورة شعبية عارمة طالت المناطق التي لطالما اعتبرت معاقل حزبية لا “تسقطها” أصوات النقمة ذات الطابع المعيشي والمطلبي والاجتماعي. بدليل أن الثائرين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت نجحوا في دفع شركائهم في الوطن، من أبناء النبطية وصور المحسوبتين على الثنائية الشيعية، كما طرابلس وعكار القلعتان “المستقبليتان”، وكسروان وجبيل والمتن التي لطالما صبغها “التيار الوطني الحر” باللون البرتقالي، إلى الخروج عن صمتهم وإسماع المسؤولين صرخة وجع يختصرها الشعار الشهير “كلن يعني كلن”.

قد يقول البعض إن وراء تمدد الموجة الشعبية إلى المناطق ذات الأكثرية المسيحية، والتي نادرا ما لجأ أبناؤها إلى الشارع للاحتجاج والمعارضة، نوعا من “العدوى” التي انتقلت من ساحات الاعتصام المركزي إلى مختلف المدن والمناطق، وهو أمر يقر به علم الاجتماع السياسي. غير أن مصادر سياسية مراقبة تلفت، عبر “المركزية”، إلى أن المناطق المستهدفة ليست عادية، بل تحمل طابعا شديد الرمزية بالنسبة إلى الحكم والحكومة.

وتشير المصادر إلى أن “منطقة المتن تعد مضرب المثل، كيف لا وهي المشهود لها بالتنوع السياسي، حيث أنها المعقل التاريخي الأهم لحزب “الكتائب”. لكن هذا لا ينفي أنها أيضا مركز ثقل مهم لـ”التيار الوطني الحر” وحليفه حزب “الطاشناق”، بدليل أن تحالفهما نجح في حصد نصف المقاعد النيابية المخصصة لهذه الدائرة في الاستحقاق النيابي الأخير في أيار 2018”.

أمام هذه الصورة، تنبه المصادر إلى أن “مشهد أوتوستراد جل الديب وهو يغص بالسيارات والمحتجين الرافعين الأعلام اللبنانية يعتبر رسالة شديدة اللهجة إلى التيار الوطني الحر وزعيمه، والدائرين في الفلك الرئاسي، من حيث عدم الرضى على الخيارات السياسية، وهو مؤشر واضح إلى ضرورة التفكير في مراجعة هذه الخيارات قبل فوات الأوان”.

ولا تخفي المصادر خشيتها من أن “يكون المعنيون بهذه الرسائل الشعبية قد فهموها من الاشارة الأولى، ما يفسر المسارعة إلى محاولة فض الاعتصام المستمر بالقوة ودفع الجيش إلى المواجهة المرفوضة مع المعتصمين، وهم الذين لم يتأخروا في قطع الطريق على أي خطوة من هذا النوع، مظهرين تعاطفهم مع المؤسسة العسكرية التي سجل أفرادها مواقف عاطفية وإنسانية في الميدان قبل أن تعود أدراجها”.

أما في جبيل وكسروان، فتشير المصادر إلى أن م”وجة الامتعاض في هذين القضاءين تضع الفريق الرئاسي والتيار البرتقالي في موقف حرج على اعتبار أن الرئيس ميشال عون نفسه مثل هذه المنطقة ذات الغالبية المارونية الساحقة في الندوة البرلمانية على مدى أكثر من عقد من الزمن، وهو ما قد يكون كرّسه الزعيم المسيحي الأول، الذي يستحق عن جدارة لقب “الرئيس القوي”، الذي يبدو أن نتائج عهده لا تزال بعيدة عن انتظارات ناخبيه”.

ولا تفوّت المصادر على نفسها فرصة التذكير بأن “الاحتجاجات أتت بعد عام على الانتخابات التي خسر فيها مقعدا نيابيا جبيليا كسبه النائب زياد الحواط بعد معركة طاحنة أتت في سياق المواجهة المعروفة بينه وبين التيار في فرعه الجبيلي”، مشيرة إلى أن “انتفاضة الشعب دفعت نائبي كسروان شامل روكز ونعمت افرام إلى خلع عباءة تكتل “لبنان القوي” والتحليق وحيدين في الفضاء النيابي، وهي كلفة باهظة تسجل من حساب التيار الوطني الحر وتكتله القوي، لمصلحة المتظاهرين أولا، والخصوم التقليديين ثانيا، بدليل الحرب السياسية الضروس بين ميرنا الشالوحي ومعراب”.