IMLebanon

تداعيات إضافية: بطاقات الدفع مرفوضة

كتبت رنى سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:

بعد نحو أسبوعين على اندلاع الاحتجاجات التي فرضت نوعاً من العصيان المدني، وباتت الدورة الاقتصادية شبه مشلولة، خصوصاً مع اقفال المصارف أبوابها وحصر التعاملات المصرفية بأجهزة الصراف الآلي وبنسبة ضئيلة جدّا من التحويلات الالكترونية المسموحة لبعض العملاء، بدأ الاقتصاد اللبناني يتحوّل نحو الاقتصاد النقدي حصراً.

بات النظام المصرفي شبه منغلق على ذاته اليوم، حيث يتعذّر على العملاء القيام بأي تحويلات من أو الى لبنان، ورغم انّ ﺍﻟﻌﻤل ﻓﻲ ﻏﺭﻑ ﺍﻟﻤﻘﺎﺼﺔ ﻟﺩﻯ مصرف ﻟﺒﻨﺎﻥ مستمّر، إلّا انّ المستوردين باتوا يرفضون التعامل مع التجار بالشيكات المصرفية، ويشترطون الـ«Cash Money» مقابل بضائعهم، مما أجبر بعض المحال التجارية في مختلف القطاعات على رفض البطاقات الائتمانية كوسيلة للدفع من قِبل المستهلك.

وبات من البديهي انّ الوضع النقدي المتفاقم سلباً يوماً بعد يوم، سيعمّق الأزمة الراهنة ويزيد من تداعياتها خصوصاً، انّ حالة عدم اليقين حول التطورات المستقبلية تتزايد يوماً بعد يوم، وهو الامر الذي شدّد عليه معهد التمويل الدولي في تقرير جديد له تحت عنوان «لبنان: عصر التغيير بدأ؟»، حيث اعتبر انّ هناك نسبة كبيرة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، ولا توجد مؤشرات حول استقالة الطبقة الحاكمة الحالية.

واشار التقرير الى انّ معظم التعديل المالي المقترح في العام 2020 ضمن الورقة الاصلاحية للحكومة، يتحمّله القطاع المصرفي من خلال خفض ايرادات الفوائد على الدين العام، ورسوم جديدة اخرى. مشدداً على ضرورة اعتماد تدابير مالية مستدامة وإصلاحات هيكلية أعمق لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي وزيادة النمو، على أن تكون معالجة الفساد وتحسين الحوكمة من المكونات الأساسية للإصلاحات المالية والهيكلية.

ورأى انّه يجب على السلطات السعي للحصول على برنامج انقاذ من صندوق النقد الدولي لتوفير تمويل إضافي ووقف التدهور الاقتصادي. معتبراً انّه في ظلّ عدم اللجوء الى اي تعديل جوهري، وفي ظلّ غياب الإصلاحات الهيكلية وانعدام الدعم الخارجي، فانّ الآفاق الاقتصادية للبنان قاتمة.

معهد التمويل الدولي

في التفاصيل، ذكر معهد التمويل الدولي انّ توقعات الحكومة بالنسبة للإيرادات العامة وتحديداً الإيرادات المتأتية من الضريبة على القيمة المضافة والجمارك، مفرطة في التفاؤل، متوقعاً عجزًا أكبر من الذي قدّرته الحكومة في ورقتها الاصلاحية، وذلك بنسبة 1,3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020. واشار الى انّ تحميل القطاع المصرفي العبء الاكبر من التعديل المالي، سيؤثر سلباً على نسبة النمو في 2020.

الحاجة لتعديل مالي مستمر

وشرح معهد التمويل الدولي انّه يتعيّن على السلطات اللبنانية أن تنفذ تدابير مالية مستدامة، وليس كتلك المقترحة والتي تُنَفذ لمرة واحدة فقط، بهدف وضع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي على المسار الهبوطي. واقترح تدابير لرفع الايرادات وخفض الإنفاق يمكن ان تحظى بتأييد من قًبل مجموعة كبيرة من المواطنين:

– تعديل نظام ضريبة الدخل الشخصي (PIT) الذي يفرض معدلات ضريبية أعلى لأصحاب الدخل العالي، مما يحوّل العبء الضريبي نحو الأُسر الأكثر ثراءً. يمكن أن يشمل هذا النظام 3 أو 4 معدلات ضريبية (على عكس الضريبة الثابتة) لتجنّب إثقال كاهل الطبقة الوسطى. على ان يُحدَّد معدل الضريبة الأعلى عند نسبة 30%، وهو معدل أقل من مثيله في العديد من الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك تركيا وتشيلي والمكسيك وكوريا الجنوبية.

  • فرض غرامات على الاملاك المبنية بطريقة غير قانونية.
    • إغلاق جميع المعابر غير القانونية ومكافحة التهريب.
  • تعزيز إدارة الإيرادات الضريبية ومكافحة التهرّب الضريبي المنتشر.
    • تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها في مؤسسة كهرباء لبنان.
  • خفض كلفة الرواتب والأجور التي شكلت 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي أو 36% من إجمالي الإنفاق الحكومي في العام 2018، من خلال إعادة هيكلة متعمقة للقطاع العام وإغلاق المؤسسات العامة القديمة، وتسريح الآلاف من الموظفين الأشباح في مختلف ادارات القطاع العام.

واعتبر معهد التمويل الدولي، إنّ التنفيذ الصارم وفي الوقت المناسب لهذه التدابير المستدامة، بالإضافة إلى بعض الاجراءات المدرجة في ورقة الحكومة الاصلاحية، من شأنهما أن يساعدا في خفض العجز المالي على أساس مستدام ويحسّنا الثقة في الاقتصاد. كما يعززان قدرة البلاد على الوصول إلى قروض «سيدر»، مما سيساعد في تخفيف الآثار الانكماشية للتعديل المالي وارتفاع أسعار الفائدة على نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.

سيناريوهان للتطورات

توقّع المعهد ان تؤدي مجموعة من العوامل منها السياسة النقدية المتشددة، الانكماش الكبير في القطاع العقاري، الإنفاق والمستحقات المتأخّرة، بالاضافة الى عدم اليقين السياسي والتأخّر في الاتفاق على الإصلاحات المالية والهيكلية، إلى انخفاض بنسبة 1.6% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام.

ورأى انّه من دون تعديل حقيقي ودعم خارجي، ستواجه البلاد آفاقاً اقتصادية قاتمة، وستقبع في حلقة مفرغة من ارتفاع الديون وارتفاع أسعار الفائدة وتدهور الاستثمارات الخاصة. ونظرًا الى حالة عدم اليقين حول الظروف السياسية الراهنة ، قام معهد التمويل الدولي بإعداد سيناريوهين:

1- يتوقع السيناريو 2020 A، نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 1.3% في ظل فرضية إنهاء الأزمة السياسية الحالية، وتنفيذ تدابير مالية وإصلاحات هيكلية مستدامة، والحصول على الدعم المالي من (CEDRE). ومع ذلك، سيحتاج لبنان إلى النمو بأكثر من 4% سنويًا على أساس مستدام بطريقة تحدّ من عدم المساواة والبطالة التي بلغت نسبة 20% ووصلت بطالة الشباب الى 35%.

2- يتوقع السيناريو 2020 B، مزيدًا من التأخير في الإصلاحات المطلوبة (ولا سيما تنفيذ خطة إصلاح الكهرباء)، وعدم الحصول على قروض CEDRE، وخفضاً كبيراً في قيمة الليرة اللبنانية. وفي مثل هذا السيناريو، سينكمش الإنتاج بنسبة 3% على الأقل، وقد يرتفع التضخم إلى مستويات من رقمين، وستتجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 170%، وسيصبح تصاعد الاضطرابات الاجتماعية أمراً لا مفرّ منه.

من جهة اخرى، اوضح معهد التمويل الدولي انّ نمو قاعدة ودائع المصارف (وهو أمر بالغ الأهمية لتمويل العجزين التوأمين) متوقف منذ أيلول بسبب تراجع الثقة وزيادة الضرائب على فوائد الودائع.

واشار الى انّ الطلب على الدولار الأميركي يتزايد، وقد ارتفعت نسبة دولرة الودائع إلى 79% في الأسابيع الأخيرة. كما أدّى ارتفاع الفوائد إلى انخفاض بنسبة 7% في قروض القطاع الخاص على صعيد سنوي. وزادت القروض المتعثرة إلى 14% من إجمالي القروض في النصف الأول من هذا العام.

وقد أدّى تباطؤ تدفقات رأس المال اللازمة لتمويل العجز في الحساب الجاري والعجز المالي (بما في ذلك الودائع غير المقيمة) إلى ظهور سوق سوداء لسعر صرف الليرة مقابل الدولار.

ونتيجة لضعف الأساسيات الاقتصادية وعدم وجود إصلاحات هيكلية عميقة، ارتفعت العوائد على سندات اليوروبوند السيادية المقومة بالدولار لمدة 10 سنوات إلى حوالى 16% في الأيام الأخيرة نتيجة الاحتجاجات وفشل الحكومة في الاتفاق على تدابير مالية دائمة وإصلاحات هيكلية.

ورأى معهد التمويل الدولي انّه في حين يمكن ان يساعد الاصلاح المالي في إرساء أسس لنمو أعلى واستقرار أكبر في الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط، تُظهر الاحتجاجات المستمرة أنّ اللجوء ببساطة إلى الاصلاح المالي من خلال مجموعة من التدابير تنفّذ لمرة واحدة فقط، ومن دون معالجة أسباب الإحباط الشعبي وأوجه القصور في الحكم وسوء الإدارة الاقتصادية، لن يكون كافياً لاستعادة الثقة.

برنامج صندوق النقد الدولي

اعتبر معهد التمويل الدولي أنّ على السلطات اللبنانية أن تسعى للحصول على برنامج لصندوق النقد الدولي لتوفير تمويل إضافي ووقف التدهور الاقتصادي، والمساعدة في تعزيز الاحتياطات الرسمية السائلة بالعملة الأجنبية، وخفض تكاليف الاقتراض لتمويل العجز.

واشار الى انّ برنامج صندوق النقد الدولي سيضع إطاراً للاصلاح المالي والإصلاحات الهيكلية اللازمة (بما في ذلك كيفية مكافحة الفساد) لمعالجة أوجه القصور في الاقتصاد. ولن ينطوي ذلك بالضرورة على إلغاء ربط سعر الصرف أو خفض قيمة العملة.

ويعتمد حجم تمويل صندوق النقد الدولي على احتياجات التمويل وقوة برنامج الإصلاح الحكومي، وقد يصل القرض إلى حوالى 2.6 ملياري دولار (أي ما يعادل 3 أضعاف حصة لبنان الحالية في صندوق النقد الدولي) ويمتد على ثلاث سنوات.