IMLebanon

لبنان في قلب الأزمة… وزراء سابقون وخبراء انقسموا على الأهداف 

 

لم يكن مسؤولو لبنان، وحتى خبراؤها، يتوقعون أن تقود المعلومات المتواترة عن توجه الحكومة نحو فرض ضريبة على «الواتساب» منذ نحو أسبوعين، إلى اندلاع شرارة احتجاجات شعبية متزامنة عمّت غالبية المناطق، كسرت حاجز الخوف لدى المواطنين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية ضاغطة، وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري.

وفيما اختلفت آراء العديد من الخبراء وأصحاب الشأن الاقتصادي، في تصريحات لـ «الراي»، حول السبل المتاحة التي تتيح للبنان الخروج من الأزمة المالية الخانقة بأقل ضرر ممكن، هناك توافق على أن الورقة التي قدمتها الحكومة المستقيلة لم تقدم حلولاً اقتصادية ذات جدوى على المدى المتوسط أو الطويل، وأنها تميزت بتطمينات تخديرية للمواطنين، فيما دافع البعض عنها من نافذة أنها على الأقل تبعد شبح الإفلاس عن البلد، في حال تم تطبيق مجموعة من بنودها تتضمن إصلاحات بطريقة سليمة، وخلال فترة زمنية محددة.

وأوضح وزير الاقتصاد السابق، رائد خوري، أن بعض الإجراءات المعلنة أخيراً ستنفذ بسرعة على أرض الواقع، في حين أن أخرى مثل الخصخصة تحتاج لفترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، منوهاً إلى أن أبرز ما جاء في الورقة الاقتصادية التي قدمها الحريري، الاتفاق على عدم فرض ضرائب جديدة على ذوي الدخل المحدود، في دولة تعاني أصلاً من انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، وارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 30 في المئة.

وذكر خوري في تصريح لـ«الراي»، أن الخصخصة تساعد الدولة على تحسين الخدمات المقدمة في بعض القطاعات، مثل الاتصالات والمطار وغيرهما، لافتاً إلى أن شروطاً قد تفرض على الشركات التي تريد تقديم الخدمة مثل تثبيت الأسعار بما لا يؤدي إلى زيادة التكلفة على المستهلك.

وكشف أن الدولة قد تطلب الحفاظ على ملكية تصل إلى 50 في المئة من الشركات الناتجة عن الخصخصة، حفاظاً على السيادة ولتحقيق إيرادات مستقبلية للدولة، مضيفاً أن خفض العجز من 7.6 في المئة من الناتج المحلي إلى 0.76 في المئة فقط ممكن، عبر مساهمة مباشرة من مصرف لبنان المركزي بنحو 4500 مليار ليرة من خدمة الدين، فضلاً عن ضريبة لسنة واحدة على البنوك.

قرارات عشوائية
من جهته، لفت وزير الاقتصاد الأسبق في لبنان، آلان حكيم، إلى أن مشكلة لبنان الرئيسية، تكمن في اعتماده على خطة نقدية فقط بمعزل عن اعتماد خطة اقتصادية ومالية متكاملة، فضلاً عن القرارات العشوائية المتخذة في السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى اندلاع الأزمة الحالية وانفجارها بشكل واسع في غالبية المناطق اللبنانية.

وأضاف أنه يمكن تفادي الإفلاس في لبنان عبر إعادة الثقة، مطالباً بتأليف مجلس وزراء بعدد قليل من المتخصصين القادرين على إعادة الثقة للشركات والمجتمع الدولي والأسواق المحلية والعالمية، بغض النظر عن الورقة الإصلاحية التي تم تقديمها أخيراً. وأوضح أن أي اقتصاد في العالم يجب أن يقوم على أسس خطة مالية واقتصادية ونقدية تكمل بعضها بعضاً، إلا أن البيئة النقدية في لبنان كانت على مدار السنوات الأخيرة تعمل جاهدة لحل المشكلة بطريقة منفردة عبر اعتماد سياسات تتيح توفير النقد وعدم انقطاعه، بما لا يؤثر على القدرة الشرائية، وذلك حرصاً على تغطية التقصير الحاصل عن غياب خطة مالية واقتصادية تساعد على تنويع الدخل في جميع القطاعات.

وقال حكيم في حديث مع «الراي»، إن لبنان يعاني من المنظومة التي تتحكم بمجريات الامور الاقتصادية فيه، لافتاً إلى أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تسجيل خسائر مالية باهظة نتيجة بعض القرارات غير المدروسة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية. ونوه حكيم إلى أن كلفة الهدر والفساد المنتشر في القطاع الحكومي تناهز 10 مليارات دولار سنوياً، مشدداً على أن لبنان بلد منهوب وليس عاجزاً مالياً، إذ يملك جميع المقومات التي تساعده على تحسين الوضع الاقتصادي، بشرط وجود إرادة حقيقية لتغيير الوضع السائد.

مخاطر عالية
من جهته، رأى مدير عام المجلس الاقتصادي الاجتماعي، الدكتور محمد سيف الدين، أن الحكومة ماطلت بإقرار الموازنة، وأضاعت الوقت في الخلافات السياسية، في الوقت الذي كانت البلاد تعاني فيه من مخاطر مالية واقتصادية عالية، ما أدى إلى تفجر الأزمة الحالية.

ورأى سيف الدين في حديث مع «الراي»، أن ورقة الحريري، شكلت قفزة مهمة إلى الامام قياساً بالأداء السابق للحكومة، إذ لم تتضمن أي ضرائب جديدة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتم تضمينها ملامح إعادة توزيع الدخل، مثل تحميل المصارف نسبة كبيرة من خدمة الدين العام خلال العام المقبل، منوهاً بوجود إجراءات أخرى ضرورية لإعادة الثقة إلى المواطنين بجدية الإصلاحات المطلوبة. وقال سيف الدين، إن الاقتراحات التي تسربت من الحكومة المستقيلة، استفزت المواطنين، الذين يعانون من أوضاع معيشية ضاغطة، ولم يعد بإمكانهم تحمّل المزيد من الضرائب.

وأضاف أن هذه التطورات فضلاً عن الحرائق التي اندلعت في كثير من المناطق منذ فترة، أتت لتفجّر غضب اللبنانيين، خصوصاً مع قلة فاعلية الأجهزة الرسمية في مكافحتها، وكشف صفقة فساد في شراء طوافات الإطفاء، لافتاً إلى أن مجموعة من «الأحداث المفجّرة» المتتالية أدت إلى نزول المواطنين إلى الشوارع.

وأكد أن على الجميع الآن اللجوء إلى الحوار من أجل الخروج بالنتائج المطلوبة، عبر تقديم طلبات محددة من المشاركين في الاحتجاجات، ليتسنى العمل أو النظر بما يمكن تطبيقه منها.

هروب للأمام
أما المحلل الاقتصادي أيمن فاضل، فيرى أن الورقة وضعت على عجل، ما يعكس مواصلة المسؤولين لسياسة الهروب إلى الأمام، مبيناً أنها تتضمن العديد من النقاط المثيرة للجدل، ومن بينها إلغاء الضريبة على ذوي الدخل المحدود، في حين أنه مطلوب سياسة ضريبية عادلة، وإصلاح جذري وعادل في هذا المجال، على أن يتحمل كل طرف ضريبة تناسب وضعه الاقتصادي، متسائلاً «هل يعقل أن تكون الضريبة على الفقير مثل تلك التي تفرض على الملياردير؟».

ولفت فاضل لـ «الراي»، إلى ضرورة أن يدفع أصحاب الأملاك والمصارف والمحتكرين ضريبة أكبر من تلك التي يدفعها الموظف العادي، موضحاً أن الورقة تتضمن أن تقوم المصارف بالمساهمة بنحو 5000 مليار ليرة من خدمة الدين العام، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم في العديد من القطاعات نظراً لطباعة نقد يساوي القيمة المذكورة.
وتابع فاضل أن الإجراءات تشمل أيضاً خفض الانفاق الاستثماري بنحو 100 مليون دولار، مع كل ما يعنيه ذلك من خفض مساهمة الدولة في النمو، وإقامة المشاريع، وتقليص فرص العمل المتاحة وغيرها.

وبيّن أن خفض دعم الكهرباء يعني زيادة التقنين، وسيؤدي إلى رفع فاتورة مولدات الكهرباء في لبنان، وزيادة التكلفة على الأسر بطريقة غير مباشرة.

ورأى فاضل أن أخطر ما اقترحته الحكومة في ورقتها الإصلاحية، خصخصة بعض الشركات، ومنها الشركتان المشغلتان للهاتف، وشركة طيران الشرق الأوسط، وكازينو لبنان، و خدمات المطار، ومؤسسة ضمان الودائع، وإدارة حصر التبغ والتنباك، مع العلم أنها توفر للدولة مداخيل شبه ثابتة سنوياً.

ولفت إلى أن خصخصتها في ظل الوضع القائم قد تؤدي إلى خفض مساهماتها في الإيرادات التي تحصّلها الدولة أو بيعها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، وذلك في ظل لجوء بعض المستثمرين للاستفادة من الوضع الحالي وتخفيض عروض الأسعار التي يقدمونها، لافتاً إلى نية لبيع بعض العقارات المملوكة للدولة، في حين تستأجر الحكومة بعض المقرات في الوقت نفسه.

غبريل: لدينا 5 أغلى فاتورة هاتف عالمياً

أرجع كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس، نسيب غبريل، اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان، إلى سلسلة من العوامل الاقتصادية، وأبرزها، اضطرار المواطن إلى دفع خامس أغلى فاتورة اتصالات في العالم بسبب الضرائب المفروضة على القطاع، ودفع فاتورتين للكهرباء، و3 فواتير للماء، وانفلات التوظيف في القطاع الحكومي، فضلاً عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين في القطاع الحكومي، وارتفاع الأقساط المدرسية والأسعار في العديد في القطاعات.

ولفت غبريل في اتصال مع «الراي»، إلى أن ذلك ترافق مع لجوء الحكومة في السنوات الثلاث الأخيرة، إلى فرض العديد من الضرائب التي تؤثر مباشرة على ذوي الدخل المحدود.
وتابع أن السبب الآخر يرجع إلى عدم وجود إصلاحات حقيقية في البنى التحتية، في وقت تزيد الضرائب والرسوم التي تفرض على المواطنين لقاء منحهم الخدمات، مبيناً أن الورقة الإصلاحية التي قدمت أخيراً هي السابعة في الأشهر الأخيرة، والتي لم ينفذ منها سوى الجزء المتعلق بفرض الضرائب على المواطنين.
وأفاد غبريل أن مشكلة الدولار التي يعاني منها لبنان في الوقت الحالي، والتي كانت سبباً رئيسياً في اندلاع الاحتجاجات، تعود إلى الارتفاع الكبير في فاتورة استيراد المشتقات النفطية بنحو الضعف إلى نحو 9 ملايين طن تقريباً في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، ما أدى إلى زيادة الطلب بنحو 1.67 مليار دولار من العملات الأجنبية لدفع ثمنها، ما سبب بالتالي زيادة في الطلب على الدولار.
وبيّن أن السبب التقني الثاني يكمن في اضطرار بعض الشركات في القطاع الخاص إلى تأخير بعض المدفوعات المتوجبة عليها.
وأوضح أن موجودات البنوك في لبنان، بلغت نحو 172.5 مليار دولار من بينها 72 في المئة بالعملة الأجنبية، لافتاً إلى أن التلاعب بسعر الصرف يعود إلى بعض صغار المتلاعبين في السوق المحلي، الذين استغلوا ضعف الثقة بالحكومة اللبنانية.
وشدد على أن الورقة الإصلاحية التي قدّمتها الحكومة اللبنانية، ليست موجهة للمواطنين، وإنما جاءت كرد فعل على احتجاجات الشارع، متسائلاً «كيف تمكنت الجهات التنفيذية في الدولة من خفض العجز إلى 0.6 في المئة من نحو 7.6 في المئة تقريباً حسب الأرقام الأولية خلال الإعداد لموازنة 2020؟».