IMLebanon

إنجازات “الحراك” بعد عشرين يوما من ألفها الى ما قبل يائها

يخطئ من يعتقد او يحاول تحريف الحقيقة عن النتائج العملية المحققة للحراك الشعبي منذ انطلاقته في 17 تشرين الاول الماضي. من يراقب تطور المشهد، على الضفة الحكومية، في الحد الادنى، يدرك ان قفزة نوعية حصلت على مستوى السلطة السياسية وقراراتها وقناعاتها. قبل استقالة الحكومة، تعاملت الطبقة الحاكمة مع الحراك باعتباره حالة عابرة قد تنهيها ورقة اصلاحية، وعدت بانجازات، يدرك الشعب سلفاً انها غير قابلة للحياة، ما دام من يعتزم تنفيذها هو نفسه المتهم بمسبباتها وبمجمل الفساد الذي استدعى اصلاح تداعياته. لكنّ ما لم تدركه هذه الطبقة انها، منذ اللحظة الاولى لنزول اللبنانيين الى الشارع والتقائهم على مطلب واحد هو اقتلاع الفساد والمفسدين من جذورهم لبناء لبنان الجديد بعيدا من انقساماتهم الطائفية والمناطقية والسياسية والحزبية، فقدت زمام المبادرة التي مكّنتها على مدى ثلاثين عاما من التحكم بالقرار وابرام تسويات على حساب الشعب، وتبين ان الحراك الذي راهن البعض على انفراط عقده سريعا اوعى بأشواط من المراهنين، وان تحركه العفوي مدّه بعناصر القوة التي مكّنته من الصمود وقد دخل اليوم اسبوعه الرابع.

استقالت الحكومة التي رُفعت في وجه استقالتها لاءات كثيرة، تحت الضغط الشعبي، ليجد رافعو اللاءات ومن يتبنونها انفسهم امام واقع جديد اربكهم، باتوا مضطرين للتعاطي معه باستراتيجية جديدة، بدأت برفض مطلق لشرط الشارع تشكيل حكومة تكنوقراط خالية من الوجوه السياسية المنخرطة في منظومة الفساد، مباشرة او بما تمثل من احزاب وانتماءات سياسية، والرهان نفسه، تعب الثوار والمنتفضين واستسلامهم لأمر واقع لطالما فرضته هذه السلطة ببث الفرقة بين اللبنانيين بمختلف وسائلها المعهودة، تارة بالطائفية التي اعتقدت انها جذّرتها في النفوس الى درجة تمنع الخروج منها، وطورا بالسياسة والاحزاب والانقسامات التي لم تتوانَ حتى عن نبش قبور الحرب الاهلية للتذكير بالاحقاد.

وازاء العناد الشعبي والتمسك بتحصيل الحقوق وبأمل ولادة لبنان الجديد، اضطرت السلطة للتنازل عن المكابرة الى مرتبة طرح تشكيل حكومة تكنوسياسية غير حزبية على قاعدة “نص عا نص” اعتقادا منها ان الثوار سينكفئون لا سيما بعدما استخدمت سياسة القمع التي وضعت حداً لاستراتيجية قطع الطرقات كوسيلة ضغط هي الاكثر فاعلية على الارجح، فانكفأ هؤلاء من الطرقات الى الساحات التي بقيت تضج بالثوار ومطالبهم، وسط قناعة بضرورة الركون الى خيارات اخرى بديلة شكلت ثورة طلاب لبنان اليوم مفاجأتها الاولى.

هذا التنازل الذي اسقط نفسه بنفسه، ما دام لم يؤمن حوله التوافق السياسي قبل الشعبي، واستمر السياسيون في التعاطي مع الثورة على قاعدة محاولة تجاهل وطأتها وحضورها في المشهد السياسي وفي اي قرار سيُتخذ، اضطرها في اليوم العشرين الى آخر اكثر واقعية، عكسه اقتراح تشكيل حكومة محض تكنوقراط خالية من الوجوه السياسية، بما فيها الرئيس سعد الحريري، قيل ان وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل نقله الى رئيس الحكومة المستقيل في لقائهما امس الاول.

هذا الاقتراح اذا لم يكن مفخخا بلغم الانتماءات السياسية للوزراء التكنوقراط، يشكل على حد تعبير مصادر مراقبة، اقرارا كاملا من السلطة بفاعلية الحراك وفرض نفسه عنصرا اول في اي معادلة على مستوى الحكم.

الا ان المصادر تتخوف كما ابلغت “المركزية” من التفخيخ، لعبة امتهنتها السلطة وتجيدها بإتقان. لكنها تبدي ثقة قوية بمدى الحكمة والوعي اللذين يتمتع بهما الحراك الشعبي الذي لن تضع حدا له تشكيلات مفخخة او طروحات “مغشوشة”. فمطلب حكومة التكنوقراط يفترض ان يكون صافيا مئة في المئة ومن يعيد الثقة الى الشارع هي وجوه وزارية تعكس ثقة مطلقة باستقلاليتها وعدم انتمائها الى اي فريق حزبي او سياسي، انذاك يبدأ البحث في الخروج من الشارع واستكمال مراقبة الممارسات السياسية، وخلاف ذلك يعني قيادة البلاد بإرادة من يحكمها الى انتحار جماعي برصاصة الانهيار الاقتصادي الوشيك اذا…