IMLebanon

هل قُضي الأمر وحان وقت طلب مساعدة صندوق النقد؟

كتبت إيفا أبي حيدر في صحيفة “الجمهورية”:

في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية التي تشتد يوماً بعد يوم، هل حان الوقت للذهاب نحو صندوق النقد الدولي للسير في خطة إنقاذية موجعة، بعدما أثبت السياسيون عدم قدرتهم على الاصلاح و”سيدر” أكبر مثال على ذلك؟ وهل أصبح تشكيل حكومة تحظى بثقة الناس كلمة سحرية للنفاذ الى المساعدات الدولية؟

أكد وزير الاقتصاد السابق سامي حداد أنّ الوضع سيئ جداً، ويتطلّب سريعاً السير بإصلاحات. فمنذ حوالى العام ونصف العام انعقد مؤتمر «سيدر» المشروط بإصلاحات، وحتى اليوم لم نتقدم على هذا المسار، ولم نتمكن من خفض العجز، حتى بات وضعنا أصعب. وأكثر من يتأذّى من هذا الوضع هم أصحاب الدخل المحدود.

واعتبر انّ المشكلة الاساسية اليوم تكمن في عجز الكهرباء الذي يكلّف ملياري دولار، لأنّ الكهرباء مدعومة. لذا، المطلوب أولاً زيادة تسعيرة الكهرباء على العدادات الكبيرة على ذوي الشطر العالي، وليس على أصحاب عدادات الكهرباء الصغيرة. وأكد ان لا تبرير مقبولاً لخسارة سنوية في الكهرباء بقيمة ملياري دولار.

ورداً على سؤال عن الضغط الذي تمارسه التقارير المالية الدولية من أجل تقديم المساعدة للبنان شرط تشكيل حكومة تنال رضى الشعب، قال: لا شك في انّ خطوة تشكيل حكومة مهمة، ويجب ألاّ يُخفى على أحد اننا نعاني اليوم أزمة الثقة، وهي تدفع بالمودعين الى سحب أموالهم من المصارف وتحويلها الى الخارج. لذا، كيف يمكن اليوم استعادة الثقة بالبلد خصوصاً بالنظام المصرفي القائم؟ المطلوب أولاً تغيير وجوه مَن في السلطة، واتخاذ إجراءات إنقاذية سريعة.

واعتبر حداد انه في الظروف الصعبة التي نمر بها بات محتوماً اللجوء الى صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان، رغم كل الشروط التي يفرضونها. ومصر ماثلة أمامنا، وهي كانت في القعر وها هي اليوم تحلّق باقتصادها مُتّبعة شروطاً قاسية.

واعتبر انّ المساعدات التي سيعطينا إيّاها صندوق النقد الدولي تتميّز بعدة ميزات، أوّلها انّ الصندوق جاهز لضَخ أموال نقدية بسرعة مقابل اتخاذ قرارات مزعجة، خصوصاً انّ الوقت لم يعد لصالحنا، والمؤسف اننا نرفض حتى الحديث مع صندوق النقد الدولي وفي الوقت عينه نحن غير قادرين على إنقاذ انفسنا أو لا نية لذلك عند المسؤولين.

وأكد انه متى قررت الدولة التعاون مع صندوق النقد الدولي فإنّ دولاً عدة ستمد يد العون لنا. وردا على سؤال، قال: انّ صندوق النقد الدولي وحده كفيل بإنقاذنا من هذه الورطة لأننا سائرون نحو الافلاس.

لكنّ الذهاب نحو طلب مساعدة صندوق النقد الدولي لن تكون خطوة سهلة على المواطنين اللبنانيين، لذا تحاول اليوم السلطات المعنية تجنيب لبنان هذه الكأس. وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي شربل قرداحي انّ هناك فارقاً كبيراً بين المساعدات المتأتية من البنك الدولي والمساعدات المتأتية من صندوق النقد الدولي.

وشرح لـ”الجمهورية” انّ البنك الدولي هو مؤسسة دولية هدفها مساعدة الدول على الانماء والنمو، وهذه المؤسسة تعمل بالاجمال على تمويل مشاريع تنموية وللبنان مشاريع عدة مشتركة مع البنك الدولي، فهو قدّم لنا تسهيلات كبيرة في تمويل خطة الكهرباء وتمويل إنشاء السدود، خصوصاً سد بسري، كونه يعتبر انّ هاتين الخطوتين حاجة ملحّة جداً للبنان، ولأننا أمام مخاطر اقتصادية وتنموية كبيرة من الكهرباء ومخاطر التصَحّر، إذا لم نقم ببناء السدود. لكن للأسف، منعت التجاذبات السياسية الداخلية والضغوطات المفروضة (اللوبي النفطي ولوبي المولدات…) مثلاً تحقيق خطة الكهرباء.

أما التعاطي مع صندوق النقد فيختلف، وقبولنا بتنفيذ شروط الصندوق يعني انّ تمويل ميزان المدفوعات لدينا أصبح غير ممكن، وبالتالي وضعنا صعب جداً. ومن أجل اللجوء الى صندوق النقد يفترض بلبنان ان يتقدم بطلب رسمي للمساعدة، كما يجب ان تكون هناك رغبة لدى لبنان للالتزام بما سيطلبه صندوق النقد الدولي.

وأوضح: اذا ما درس صندوق النقد الدولي وضعنا سيجد أولاً انّ السعر الفعلي الحقيقي للعملة،أي سعر صرف الليرة مقارنة مع الشركاء التجاريين، متضخّم بنسبة 50 %. ما يعني انه اذا دخلنا في مشروع مع صندوق النقد لمساعدتنا، فإته سيطلب منّا أولاً خفض سعر العملة 50 % ليصبح سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار 2250، وانّ مجرد تطبيق هذا البند يعني عملياً محو ثلث مداخيل الاسر.

كما سيلاحظ صندوق النقد أنّ ديننا العام غير مُستدام، وانه ليس لدينا القدرة على وقف الاستدانة، وفي هذه الحالة سيطلب منّا الذهاب نحو إجراء hair cut، أي نحن غير قادرين على دفع الديون لحاملي الديون.

ومن الخطوات التي سيطلبها صندوق النقد رفع الضرائب وخفض التقديمات الاجتماعية والصحية، لأنه من خلال مساعدته دولة ما، يَهدف التصحيح وعودة الاقتصاد الى النمو بشكل سريع جداً بما يتطلّب خفض النفقات بشكل كبير جداً، كذلك رفع الايرادات بشكل كبير، ولهذه الخطوات آثار انكماشية كبيرة على الاقتصاد الوطني. صحيح أنها تساعدنا على المدى المتوسط بأن نخرج من الأزمة، لأنهم سيقدمون لنا المساعدات، إنما في المقابل سيتحمّل المواطنون تدابير قاسية جداً. لذا، من الافضل تجنّب طلب الاستعانة بصندوق النقد. ولفت الى ان هذه الاستعانة ستأتي عندما يكون قضي الأمر، لذا يجب القيام بإصلاحات سريعة تجنّباً للاستعانة بهذا الصندوق.