IMLebanon

اللعب في مراحل نمو الطفل

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

 

جميع الأطفال، بدون استثناء، ذكوراً وإناثاً، بحاجة للعب. أكانت اللعبة منظمة (ألعاب التركيب) أو لعبة «عشوائية» (اللعب بالرمال على البحر). في كلا الحالتين، هناك استفادة كبيرة للطفل الذي يشرك خياله وإبداعه خلال تطبيق اللعبة. وخصّص علم نفس النمو عند الطفل قسماً مهماً لأهمية اللعب، وتوسَّع حتى أصبح علماً يُدرّس في الجامعات (خاصة في علم التربية) وصولاً إلى العلاج النفسي (Play therapy) أو العلاج النفسي باللعب. فبكل بساطة أصبح اللعب له أهميته النفسية في التعليم والتشخيص والعلاج، لأنّ المعالجين النفسيين والمحللين النفسيين يعتبرونه لغة الطفل الثانية، حيث يستعمل الطفل اللعب للتعبير عن حالته النفسية. فما أهمية اللعب في مراحل النمو المختلفة؟ وما هو تفسير اللعب على الصعيد النفسي؟ وكيف يمكن للأهل أن يعدّلوا سلوك الطفل خلال اللعب؟
إهتمّ علم نفس النمو باللعب، وظهرت العديد من النظريات التي فسّرته. فنظرية التكرار تعتبر أنّ اللعب ليس سوى عادات حركية يقوم بها الطفل وتتكرر عبر التاريخ، حيث يختلف اللعب فقط من حيث الفكرة وليس الحركة. فمنذ القديم، كان الطفل يبني قصراً من الرمال في حديقته، وحالياً يقوم بنفس النشاط ولكن من خلال لعب التركيب. كما هناك فرضية أخرى وهي تحليلية، تعتبر أنّ اللعب ليس سوى لغة يستعملها الطفل للتعبير عن فرحه وقلقه ومخاوفه.

وهناك ثالثة تعتبر أن تصرفات الطفل خلال اللعب ليست سوى تصرفات أجداده عندما كانوا أطفالاً. ويعني ذلك أنه يقوم بالألعاب نفسها التي قام بها الأجداد.

ما الأهمية النفسية للعب؟

للعب أهمية أساسية لعالم الطفل، فهو يُعتبر وسيلة لفهمه ودراسة سلوكيّاته واكتشاف مشاكله وعلاجها. ويؤكد العلماء والاطباء أنّ اللعب يفيد في نمو الطفل العضلي، وبالتالي نموه الحركي. كما يساعد على تفريغ الطاقة عنده، خاصة عند الطفل المتوتر. ويساعد اللعب أيضاً في النمو الإجتماعي وإشباع حاجيّات الطفل العاطفية. أمّا بالنسبة لأهمية اللعب النفسية، فيمكن تحديدها من خلال النقاط التالية:

أولاً: اللعب ليس سوى نشاط يُسلّي الطفل ويجعله اجتماعياً، فأكثرية الألعاب التي يلعبها تتطلّب طفلاً آخرَ للمشاركة. لذا، اللعب لا يُمتع الطفل فقط ولكن يساعده في تنمية الحس الإجتماعي عنده وعند أقرانه في المدرسة أو في الحي الذي يقطن فيه.

ثانياً: اللعب هو علاج نفسي، حيث حدّد المحللون النفسيون، على غرار ميلاني كلاين (المحللة النفسية الفرويدية التي عملت مع الأطفال)، أنّ اللعب هو أداة يستعملها الطفل لكي يسرد قصة حياته، أو ليخبر عن القلق الذي يدور في رأسه. وطبعاً يساعد العلاج باللعب على التخفيف من الإحباطات اليومية التي يعيشها الطفل.

ثالثاً: يعتبر علم نفس النمو أنّ اللعب له ميزة تعويضية، حيث يمكن أن يَستبدِل الكثير من الحاجات التي يسعى وراءها الطفل، ومنها الاهتمام. فمثلاً، إنّ طفلاً «متروكاً» وأهله لا يهتمون به، يمكن أن يجد في اللعب تعويضاً عن هذه الحاجة من خلال اهتمام أصدقائه به خلال اللعب.

رابعاً: يساعد اللعب على نمو مخيّلة الطفل وقوة ابتكاره.

تطور اللعب في مراحل نمو الطفل

خلال مرحلة الطفولة، يكون اللعب بسيطاً جداً وفردياً، من خلال تحريك عضلي بسيط. وكلما تقدّم الطفل في السن كلما دخل التفكير في عملية اللعب، خاصة عندما يبدأ بالمشي. فنرى الطفل يلعب بألعابه وبجميع الأشياء التي يصادفها. ويكون لعبه نوعاً من الاكتشاف للأشياء التي تحيط به. وطبعاً، إنّ الذاكرة والذكاء والخيال وغيرها تدخل في عملية اللعب عند الطفل، والتي ستساعده لاحقاً على قدرته في الكلام.

ما بين عمر الثلاث سنوات والأربع يلعب الطفل مع نفسه ومع الآخرين، خاصة عند دخوله إلى المدرسة. وفي هذه المرحلة، يمكنه أن «يخترع» صديقاً وهمياً للعب معه (هذا الصديق يجب أن يختفي عندما يبدأ الطفل بالتفاعل الإجتماعي في مدرسته).

وبعد دخول الطفل إلى المدرسة، يختار مجموعة من الأطفال ليلعب معهم، وهنا تكمن الأهمية الاجتماعية لللعب وتكوين الصداقات. ويتعلّم الطفل خلال هذه الفترة بعض العادات الاجتماعية، كالتعاون واحترام الآخر واحترام مبدأ الدور… والجدير بالذكر انه خلال هذه المرحلة، يُقلّل الطفل اللعب مع نفسه، ويتّجه للعب مع أقرانه. كما انه خلال هذه المرحلة (خاصة ما بين الثلاث سنوات والست) يظهر الاختلاف في اللعب ما بين الصبيان والفتيات، كما تبدأ الفتاة باللعب مع الفتيات والصبي مع الصبيان.

وبعد عمر الست سنوات يظهر مبدأ اللعب الجماعي، ولكن يختلف ما بين الصبيان والفتيات، كما تظهر الهوايات خلال تلك المرحلة. وخلال تلك المرحلة العمرية، يفضّل الطفل اختيار الألعاب التي تساعد في التعبير عن الذات، والتي لا يمكن أن تكون موجودة في اللعب الجماعي.

وفي مرحلة المراهقة، يظل اللعب موجوداً ولكن متخفياً من خلال التجمعات بين الأصدقاء أو الألعاب الاجتماعية.

دور الأهل في تعديل سلوك طفلهم

اللعب ليس سوى خليط من النشاط العقلي والبدني والعضلي في إطار حضاري واجتماعي، حيث نجد لكل حضارة ألعابها الخاصة. ودور الأهل في هذا الخصوص هو تشجيع الطفل منذ صغره على اللعب. وهناك بعض النقاط التي يمكن أن يطبّقها الأهل لمساعدتهم في تعديل سلوك طفلهم:

• إعطاء الحرية المطلقة للطفل خلال اللعب للتعبير عن نفسه.
• إحترام ميول الطفل خلال اللعب، وتوجيهه إذا اقتضت الحاجة مع الأخذ بعين الاعتبار مستواه الذكائي.

• مشاركة الأهل اللعب مع طفلهم ما يقوّي الرابط بينهم.
• تشجيع الطفل على اللعب بجميع أنواع الألعاب، حتى لو انه سيوسّخ ثيابه بسبب لعبة ما… ولكن يجب تشجيعه للمشاركة فيها مثلاً.

• مشاركة الطفل في النشاطات الرياضية.
• ممارسة اللعب كل يوم في المدرسة كما في البيت. فاللعب ليس مَضيعة للوقت بل انّ العكس صحيح، لأنه ينمي الطفل جسدياً وعقلياً.