IMLebanon

توتر في البنوك… وهلع في الأسواق

كتب نذير رضا في “الشرق الاوسط”:

في الساعة الثانية إلا خمس دقائق، يصل مواطن شاب إلى مدخل أحد أكبر مصارف لبنان، مطالباً بالدخول لإجراء عملية سحب مالي. يعتذر منه موظف الأمن، طالباً منه العودة يوم الثلاثاء. يعبر الشاب عن استيائه ويرفع صوته، لعلمه أن الإقفال في هذا الوقت، يخالف تجربة المصرف الذي يفتح أبوابه للساعة الخامسة عادة، وسط شائعات تتنامى عن أن ماكينات الصرف الآلي قد تفرغ خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وتقليص دوام العمل يعدّ جزءاً من تدابير اتخذتها المصارف لتخفيف الضغوط عن السحب النقدي للإيداعات المصرفية، وسط ضجيج استثنائي عكسه ازدحام المودعين في ردهات مصارفهم طوال أيام العمل في الأسبوع الحالي. ولن تفتح أبوابها قبل يوم الثلاثاء (تقفل يوم السبت استثنائياً، وسيكون الاثنين يوم عطلة رسمية) وذلك بهدف ضبط الإقبال المتزايد على السحوبات، وسط شائعات تتحدث عن انهيارات سريعة. وأنتج هذا الواقع، توتراً في صفوف زبائن المصارف، وموجة هلع في الأسواق.

وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع أن تلك الإجراءات «غير قانونية»، لكنها «تدبير استثنائي ومؤقت للتعامل مع الأزمة». وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الإجراءات اتخذت بناء على تعليمات من مصرف لبنان المركزي، وليست تعميماً بالمطلق لأن التعميم المكتوب يتطلب تعديلاً في القانون، في إشارة إلى قانون النقد والتسليف.

وتتضاعف الإجراءات كل يومين على ضوء الإقبال المتزايد على السيولة، وخصوصاً بالدولار. وأنتجت تلك التدابير أزمة كبيرة في صفوف المواطنين الذين تهافتوا على المصارف لإجراء سحوبات، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.

وقال جندي متقاعد من الجيش اللبناني لـ«الشرق الأوسط» بأن المصرف رفض إعطاءه خمسة آلاف دولار يجمدها في أحد المصارف، بينما قال تاجر عقارات بأن المصرف رفض منحه 20 ألف دولار حاول سحبها، فاضطر إلى تحرير شيك بنكي بقيمة 20 ألف دولار وصرافته لدى صراف في السوق، ودفع عمولة للصراف.

وأثارت الإجراءات التي تتضاعف يومياً بلبلة في صفوف المواطنين. فقد رفض واحد من أكبر مصارف لبنان صرف شيك بقيمة 4 آلاف دولار، بحسب ما قال وليد الذي لم يجد حلا إلا بإيداعه في حسابه، لقاء الحصول على مبلغ أسبوعي من قيمة الشيك تصل إلى 1500 دولار، بالنظر إلى أن الخيار الآخر الذي عُرض عليه، والقاضي بقبضه بالعملة المحلية، سيخسر من قيمته في حال أراد صرف الشيك في السوق الموازي.

وعكست الإجراءات موجة إرباك في المصارف، وتوتراً لدى اللبنانيين. ويشير بشير، وهو أحد تجار مواد البناء، إلى أن الشركات المستوردة للسلع أبلغته باعتذارها عن تحصيل الفواتير بموجب شيكات، «لتعذّر تحصيلها في البنوك»، مشيراً إلى أن التجار «يطالبون بالدفع نقداً»، وهو ما زاد الإقبال على السيولة بالعملة الصعبة في السوق الموازي.

وإضافة إلى وضع المصارف سقفاً للسحوبات عبر بطاقات الائتمان الإلكترونية التي تستخدم خارج لبنان، وإقفال التحويلات الخارجية عبر التطبيقات الإلكترونية، ازداد الوضع تعقيداً مع بدء المصارف بتقييد حركة التحويلات الخارجية وأهمها إقفال اعتمادات المستوردين، وهو ما أشار إليه مديرو شركات مستوردة لسلع غذائية ومواد البناء، محذرين من أزمة فقدان الأسواق اللبنانية للبضائع والسلع الأساسية وخصوصاً الغذائية خلال أسابيع أو ثلاثة أشهر، إضافة إلى مواد أساسية تستخدم في الصناعات. ومن شأن هذه الإجراءات أن تقلص إيرادات الدولة في الأشهر الثلاثة المقبلة، لغياب القدرة على تحصيل الجمارك والضرائب من التجار على السلع المستوردة.

وقال رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل بعد لقائه حاكم مصرف لبنان «فوجئنا مؤخراً بتدابير إضافية جديدة علقت العمل بكل التسهيلات إلى جانب وقف التحويلات، مما يضع الصناعيين على شفير الانهيار». وحذرت الجمعية من خطورة هذه الإجراءات التي اعتمدتها المصارف مؤخراً وانعكاسها السلبي على القطاع، وشددت على «وجوب مواجهة هذه التدابير ورفضها لأنها ستحول دون الوفاء بالتزامات الصناعيين الداخلية والخارجية».