IMLebanon

حذارِ التفكير بالسيناريو العراقي (بقلم رولا حداد)

في اليوم الـ26 لانطلاق الثورة اللبنانية يُطلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليلقي كلمة هي الرابعة له في أقل من 4 أسابيع. تدرّجت إطلالاته الثلاثة السابقة بين إطلالة أولى بسقف مرتفع جداً وتهديدات مبطّنة للبنانيين الثائرين بمنطق الشارع مقابل الشارع والاستخفاف بقدرتهم على الحشد والاستمرار، وللمسؤولين بالتحذير من الاستقالة من الحكومة والتهديد بمحاسبة من يستقيل، وبين إطلالة ثانية حملت تراجعاً في الشكل والمضمون بحيث تم استحضار علم لبناني خلف نصرالله بصورة مفاجئة وفي المضمون تراجع عن سقفه العالي بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، قبل أن يختفي العلم اللبناني من جديد في الإطلالة الثالثة التي حاول فيها شدّ عصب جمهوره من جهة والقيام بعملية التفاف على مفاعيل استقالة الحريري من جهة ثانية.

الأهم في ترقّب الإطلالة الرابعة هو في محاولة استبيان التوجّه الإيراني في مواجهة الشعب اللبناني الثائر بعدما حسمت طهران قرارها بمواجهة الشعب العراقي الثائر من خلال رفع منسوب القمع وعمليات القتل التي أودت بحياة مئات العراقيين منذ اطلاق الثورة العراقية وحتى اليوم في موازاة الإصرار على منع تحقيق أي تغيير سياسي في العراق. والسؤال الذي يُطرح الآن في الأروقة السياسية والأمنية: هل تتجه إيران إلى قرار مماثل بمنع التغيير الحقيقي في لبنان ومحاولة جرّ وطن الأرز إلى لعبة دموية، كما كان طالب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي منذ الأيام الأولى ما بعد 17 تشرين الأول حين دعا إلى معالجة ما أسماه “الشغب” في لبنان؟!

في السياسة يبدو أن إصرار “حزب الله” على رفض تشكيل حكومة تكنوقراط صافية تخلف الحكومة المستقيلة يصبّ في هذا السياق الخطيرفي ظل عرقلة المسار الدستوري المتمثل في ضرورة إجراء استشارات نيابية ملزمة قبل خضوع من يعنيهم الأمر، وتحديدا الرئيس سعد الحريري، للأجندة الإيرانية المتمثلة بضرورة مواجهة الولايات المتحدة بحكومة تبقي على الطابع السياسي الواضح بمشاركة مباشرة للحزب في الحكومة وتمثيل حلفائه الأساسيين عبر الرموز.

وهذا الإصرار على رفض الاستجابة للمطالب الشعبية بتشكيل حكومة مصغرة من المتخصصين تحاول إنقاذ لبنان من الانهيار المالي والاقتصادي الذي وقع فيه وضخ جرعات من الثقة المفقودة، يشي بتوجّه لا يبشّر بالخير.

لكن في المقابل لبنان ليس إيران وبيروت ليست بغداد. والفارق الأساسي يكمن في أن “حزب الله” لا يمسك ولن يستطيع أن يمسك بكل أوراق القوة والضغط في بيروت والمناطق كما يفعل جماعة إيران في بغداد والمناطق العراقية. ففي لبنان جيش وطني بقيادة حكيمة أصرّ منذ اليوم الأول على حماية المتظاهرين ورفض أن يقمعهم، لا بل وصل إلى حدّ إعلان التعاطف مع مطالبهم، وهذا ما جعل الثورة اللبنانية سلمية بأبهى حللها من دون سقوط نقطة دم واحدة، وبالتالي لن يستطيع “حزب الله” ومن وراءه أن يفرض على الجيش اللبناني أجندته ولا أن يستعمله لقمع الشعب اللبناني الثائر.

وإذا كانت ثمة أوجه شبه واضحة بين المعاناة في لبنان والعراق كما أوجه التشابه في المطالب التي يرفعها الشعبان اللبناني والعراقي، فإن تاريخ لبنان وتنوّع شعبه الموحّد على مطالبه المحقة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن البقاع وحتى الساحل يجعل من الصعوبة بمكان تكرار السيناريو العراقي في لبنان. وكل ما على “حزب الله” فعله الخضوع لإرادة الشعب اللبناني بعيداً عن المحاولات اليائسة لاستعماله وقوداً في مواجهات إقليمية ودولية ترغب إيران في خوضها انطلاقاً من بعض الساحات العربية، وفي طليعتها لبنان.

لذلك نكرر تحذير من يعنيهم الأمر بعدم جواز التفكير بتكرار السيناريو القمعي والدموي في العراق على الأراضي اللبنانية لأنه سيعني حتماً بداية النهاية ليس للبنان إنما للمشاريع الخارجية التي تبحث عن ساحات، وهي لن تجد حتما ضالتها في لبنان!