IMLebanon

لبنان… الانتفاضة إلى حصار البرلمان اليوم 

 

بقي لبنان تحت تأثير انفجار «القلوب المليانة» بين أطراف السلطة وتحديداً فريقيْ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري، وسط حِراكٍ سياسي بدا من الصعب الجزمُ إذا كان يرمي لمعاودة تكليف زعيم «تيار المستقبل» (الحريري) بتشكيل الحكومة العتيدة من ضمن مبادرةٍ جدية تختصر من عمر الأزمة الأخطر التي تمرّ بها البلاد أم أن ما «يُحْبَك» هو في سياق مناورةٍ جديدة تحت سقف لعبة «عضّ الأصابع» التي تتنكّر للوقائع الجديدة التي فرضتْها الثورة في الأيام الـ 33 الماضية كما للوضع المالي – النقدي – الاقتصادي الذي طرق باب الانهيار الكبير.

وغداة التشظيات السياسية التي تتطايرتْ من «احتراق» محاولة تكليف الوزير السابق محمد الصفدي ترؤس الحكومة الجديدة وأصابتْ بالدرجة الأولى علاقة فريقيْ عون والحريري بـ «ندوبٍ» إضافية على خلفية تبادُل الاتهامات حول ملابسات التوافق على هذا الخيار ثم سقوطه، أعربتْ أوساطٌ واسعةُ الاطلاعِ عن الخشية من أن تكون السلطة التي تتحرّك «سلحفاتياً» بإزاء الانتفاضة المتوهّجة ما زالت على سياسة «المكائد» و«الكمائن» التي تعكس تمتْرُساً خلْف «خطوط حمر» ذات أبعاد ما فوق محلية باتت تُسابِق «هدير» الشارع الثابت على مطالب تبدأ بتشكيل حكومة مستقلّين اختصاصيين تمهّد لانتخابات نيابية مبكرة.
وفيما ستخوض الثورةُ في يومها الـ 34 اختباراً جديداً عنوانُه الإضراب العام وتشكيل «درعٍ بشري» في محيط البرلمان لمنْع عقد الجلسة التشريعية (المؤجَّلة من الأسبوع الماضي) وسط رسْمِ علاماتِ استفهامٍ حول دستورية وقانونية التئامها في ظلّ حكومة تصريف أعمال واعتراضاتٍ على مضامين اقتراحات قوانين واردة في جدول أعمالها ولا سيما ذات الصلة بالعفو العام وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، استبعدتْ الأوساط نفسها عبر «الراي» أن يحمل اليومان الفاصلان عن الذكرى 76 لاستقلال لبنان (يوم الجمعة) «حلا سحرياً» يسمح بتبديد الأجواء البالغة السلبية التي سادت بين مكونات الائتلاف الحاكم في «الويك اند» وبلوغ تَفاهُم كامل يوفّق بين المنطقيْن المتقابليْن اللذين يحكمان الأزمة الحكومية:
* الأوّل الذي يتمسك به الحريري لجهة تشكيل حكومة مستقلّين تُرضي الشارع وتُطَمْئن المجتمع الدولي.
* والثاني يصرّ عليه فريق عون ومعه «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري ويقوم على حكومة تكنو – سياسية لا ترتدّ على التوازنات السياسية التي أرستْها الانتخابات النيابية وعلى معانيها الإقليمية التي صبّت في «جيْب» المحور الإيراني، وفي الوقت نفسه لا تقدّم إشارةً تَراجُعية برسم الولايات المتحدة واندفاعتها بوجه «حزب الله» أو تعطي دفعاً لانتفاضة العراق والحِراك في قلب إيران، وسط اقتناعٍ بأن في «سلّة حسابات» الحزب أيضاً أنه لا يمكن تسليم حكومة غير سياسية ملفات استراتيجية مثل بتّ النزاع الحدودي البحري والبري مع اسرائيل ولا مسائل مثل المعابر البرية (مع سورية) في ضوء ملامح ضغوط دولية لإخضاعها للمراقبة تحت عنوانٍ إصلاحي هو ضبْط التهريب وتفعيل عمل الجمارك.
ومن هنا تساءلت الأوساط عن خلفيات التسريبات حول إمكان أن تشهد الساعات الـ 48 المقبلة حصول الاستشارات النيابية المُلزمة لتكليف رئيس الحكومة والتي لا تسمح وقائع الأيام الماضية بافتراض أن تُفضي إلى غير تسمية الحريري في ضوء المظلّة السنية له وفي الوقت نفسه عدم رغبة «حزب الله» في أن يتحمّل وزر حمْل «القنبلة الموقوتة» المالية – الاقتصادية عبر شخصيةٍ غير زعيم «المستقبل» لن يكون في مقدورها إنقاذ البلاد من مصيرِ ما وصفه بري بأنه سفينة «التايتانيك» التي يشبه وضع اللبنانيين ركابها «وإذا لم يقم الجميع بالاجراءات السريعة واللازمة فسنغرق جميعاً».
وإذا صحّت المناخات التي أوحت باتجاهٍ لتسمية الحريري من دون أي تفاهم مسبق على كيفية تجاوُز رفْض الأخير ترؤس أي حكومة خارج معيار «الاختصاصيين المستقلين»، فإن ذلك سيكون في رأي الأوساط عيْنها من ضمن سيناريوات عدة، أبرزها وضْع زعيم «المستقبل» في «قفص التكليف» فيكون وجهاً لوجه أمام الحِراك في مرحلة العجز عن التأليف عوض أن يتركّز «الغضب» على فريق عون، وفي الوقت نفسه محاولة جرّ الانتفاضة إلى الانقسام بين مؤيّد ورافِض لهذا التكليف انطلاقاً من شعار «كلن يعني كلن» الذي ترفعه وتالياً إعادة الحِراك إلى «متاريس التطييف»، وليس انتهاءً بأن هذه التسمية قد تجعل أي فرْض لوقائع «ساخنة» على الأرض يُعْطي مفعولاً ضاغطاً على الحريري لجهة تليين موقفه من الحكومة التكنو – سياسية.
وفي حين رأت الأوساط أن إفشال هذا «المكمن» لن يكون صعباً بحال ظهر الحريري بوضوح ثباته على شرط حكومة الاختصاصيين وهو ما بدا أنه متيقّن منه إذ أكد أمس أمام المكتب السياسي لتيار «المستقبل» «ليذهبوا الى الاستشارات المُلْزمة وما زلتُ ملتزماً تشكيل حكومة اختصاصيين»، ناهيك عن احتفاظه بورقة الاعتذار (بعد التكليف إذا استشعر محاولات لتوريطه)، اعتبرتْ أن دون اللجوء الى سيناريو فصْل مساريْ التكليف والتأليف – على عكس ما أصرّ الرئيس عون طوال الفترة الماضية – حساباتٌ دقيقة يمكن أن تفرْمل السير بهذا الخيار ليكون تالياً من ضمن مناورات الضغط المستمرّة منذ 21 يوماً (تاريخ استقالة الحريري).
إلى ذلك، نقلت صحيفة «الجمهورية» عن بري إن «البلد أشبه بسفينة تغرق شيئا فشيئا، فإن لم نتخذ الإجراءات اللازمة فستغرق بكاملها».
وكانت صحيفة «النهار» نقلت عن بري تشبيهه لوضع الشعب اللبناني بركاب السفينة الغارقة «تيتانيك».
ولم تحجب الوقائع السياسية ولا «التحمية» من جانب الثورة لـ «ثلاثاء الغضب» الأنظار عن تطوريْن سُجلا أمس: الأول تأكيد أن العرض العسكري لمناسبة ذكرى الاستقلال لن يجري هذه السنة في وسط بيروت، وسيستعاض عنه بعرض رمزي في مقر وزارة الدفاع، من دون أن يُحسم مصير حفل الاستقبال التقليدي الذي يقيمه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا.
والثاني معاودة المصارف ابتداءً في اليوم فتْح أبوابها بعد «جولة إقفال» جديدة (منذ بدء ثورة 17 أكتوبر) استمرت 8 أيام متتالية، وذلك بعد اعتماد «آلية أمنية» يحرسها نحو 1600 عنصر لتوفير الحماية للبنوك وموظّفيها في أعقاب التوتّر الذي ساد في آخِر يوم عمل نتيجة تهافُت العملاء على سحب أموالهم وما رافق ذلك من بعض الاعتداءات على موظفين.
ورغم إيجابية استئناف المصارف نشاطها، فإن العيون ستشخص على ما إذا كانت الإجراءات الجديدة التي اتخذتْها جمعية المصارف في ما خص كيفية «إدارة السيولة» وضوابطها ستهدئ من «هلع» المودعين أو العكس، علماً أن الجمعية حددت الأحد تدابير موقتة قاسية ستحكم العلاقة مع العملاء وبينها قصْر المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار كحد أقصى أسبوعياً لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار، على أن تُدفع الشيكات المحررة بالعملة الأجنبية في الحساب، وحصر التحويلات إلى الخارج فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحة، ودعوة الزبائن إلى تفضيل استعمال بطاقات الائتمان، وخصوصا بالليرة اللبنانية لتأمين حاجاتهم.
وفي إطار آخر، أعلن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أنه تم التحقيق في 18 ملفا من ملفات الفساد تشمل فسادا ماليا وهدرا وتزويرا وتبييض أموال، إضافة الى صفقات مشبوهة تم وقفها وإهمال في العمل والترويج لأدوية مزورة وعقود مصالحة مشبوهة.