IMLebanon

أعداء أميركا في لبنان… «حزب الله» وإيران وروسيا والصين وسورية

 

أحْدَثَتْ شهادة السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان أمام الكونغرس، عاصفةً بفنجان في لبنان رغم أنه لم يعد يشغل أي منصب رسمي في الإدارة الأميركية. وقدّم فيلتمان ما يعرفه بالتفصيل المملّ عن الأحداث الأخيرة وخصوصاً المتعلقة بالحِراك المستمرّ ضد الفساد والإقطاعية السياسية وتدهْور الأوضاع الاقتصادية.

وفي تمنياته للكونغرس، أَظْهر تعقيد الوضع اللبناني ووضَعَ خريطة طريق «لهزيمة حزب الله وإيران في لبنان» وكيفية «منْع سورية وروسيا والصين من كسْب موطئ قدم في لبنان». ومع ذلك فإن قراءته الخاطئة للديناميات المحلية ولقوة «حزب الله» وحضوره يخدم لبنان بشكل إيجابي فقط في حال استجاب الكونغرس لتمنياته.

ليس غريباً على «محور المقاومة» أن يترك من دون ردٍّ مَن يفهمه خطأ أو يعتقد أنه حقق أهدافه ضدّه. فهذا رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، يتباهى باعتراضه كل قافلات الأسلحة الآتية من سورية إلى لبنان ليعود ويعترف بأن «حزب الله» يملك أحدث الصواريخ الدقيقة وقوة بحجم 150 ألف صاروخ في ترسانته.

وهذا النهج يُقْنِع المُهاجِم بعدم زيادة تدابيره القاسية ليدعه يضخّم حجم الضرر اللاحق «بالمحور» جراء تدابيره. فالرئيس دونالد ترامب اعتقد أن عقوباته ستغيّر النظام في إيران خلال أشهر قليلة. ولا تُخْفي طهران آثار العقوبات ولكنها بعيدة عن الهزيمة وقد أخرجت ميزانيتها السنوية من دون الاعتماد على النفط وتكيّفت مع العقوبات.

وبحسب قريبين من «محور المقاومة»، فقد امتدح فيلتمان الجيش اللبناني في هزيمة «القاعدة» و«داعش» على الحدود السورية – اللبنانية وابتعد عن العقوبات الأميركية التي ساهمت في إفقار لبنان، في حين ان «حزب الله» هو الذي هزم «القاعدة» و«داعش» وليس صواريخ «هيلفاير» الأميركية الـ 12 اليتيمة التي اشترطت أميركا موافقتها على الأهداف قبل إطلاقها.

وفي رأي هؤلاء، أنه إذا اعتقدتْ أميركا أن «حزب الله» سيُهزم على يد الجيش وأن السلام في لبنان ضروري للحدّ من نفوذ «حزب الله»، فإن لهذا الأمر – إذا اقتنع الكونغرس – وقعاً إيجابياً على لبنان وقد يكون سبباً لتخفيف العقوبات. ليس لأن هناك داخل الإدارة الأميركية مَن هم أذكى من فيلتمان ليستمع إليه مسؤولو البيت الأبيض، بل لأن إدارة ترامب يتلاعب بها إلى حد كبير نتنياهو الذي يريد المزيد من العقوبات على «حزب الله» وحلفائه المسيحيين.
وادّعى فيلتمان خطأً وفق القريبين من هذا المحور، أن «الحرب الأهلية تزيد من نفوذ إيران». فطهران تدخّلت في لبنان العام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي وليس أثناء الحرب الأهلية العام 1975. وتريد إيران، للبنان والعراق الاستقرار كي لا ينشغل حلفاؤها عن أهدافهم الرئيسية: التضامن بين محور المقاومة، التضامن ضدّ أعداء هذا المحور، ردْع إسرائيل ودعْم القضية الفلسطينية.

وفي اعتقاد هؤلاء، أن فيلتمان يُظْهِر خطأ آخر عندما يتكلّم عن الهيمنة السورية كسيناريو محتمل لعودتها إلى لبنان. لقد تغيّرت العلاقة السورية – اللبنانية رغم أن لبنان يبقى مهماً جداً بسبب الأمن المشترك والحدود المشتركة والتبادل التجاري والعداء لإسرائيل. وعلى الرغم من أن هناك العديد من اللبنانيين يزورون دمشق، إلا أن الرئيس بشار الأسد يدرك تعقيد الوضع اللبناني وأن «محور المقاومة» يستطيع منْع أي سلوك عدائي مضرّ بالمصالح السورية.
أما «حزب الله» – كما قال فيلتمان – فهو لم يكن يوماً مسيطراً على كل الشيعة. حتى شريك «حزب الله» في حركة «أمل» – على الرغم من عدم عدائها لحزب الله – ينافسه على السيطرة على النفوذ في جنوب لبنان وفي كل المراكز المخصصة للشيعة في إدارات الدولة اللبنانية. علماً أن «حزب الله»، وفق هؤلاء، يحظى بدعم غالبية الشيعة وأكثرية المسيحيين لحمايته لهم ولدوره بردْع إسرائيل ومنْعها من اغتصاب الأرض والمياه والحدود البحرية.

لقد خرج المتظاهرون إلى الشارع قبل نحو 40 يوماً احتجاجاً على ضعف الخدمات وسوء الإدارة وفساد جميع السياسيين في السلطة. وتعمّقت الأزمة ليصبح تشكيل الحكومة صعباً في الوقت القريب. فرئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري يرغب بعدم إغضاب واشنطن التي تريد استبعاد «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بتشكيل حكومة تكنوقراط مع إعطائه الحرية بتشكيل حكومة يختارها هو على الرغم من سيطرته على 21 نائباً من أصل 128، في الوقت الذي يسيطر خصومه السياسيون على أكثر من نصف البرلمان ويرفضون استبعادهم.

ويُلاحِظ القريبون من «محور المقاومة» أن الحِراك لم يستثنِ الحريري من تهم الفساد على الرغم من محاولته ركوب حصان المتظاهرين. ويصرّ خصومُه السياسيون على إعادة ترشيحه كرئيس للوزراء ليكون مسؤولاً عن الفساد الذي أصاب لبنان والسياسات التي اعتُمدت في السابق.

ويعتبر هؤلاء أن دفْع الحريري بمناصريه إلى الشارع لقفل طرقٍ كإشارة على امتلاكه دعماً شعبياً ساهم بتأزيم الوضع. وفي أقل من شهرين، خسر لبنان ملياري دولار بسبب توقف التبادل التجاري وخسرتْ العملة اللبنانية 33 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء.

واتخذ الجيش اللبناني قراراً بإبقاء الطرق الرئيسية مفتوحةً تجنباً لتصعيد كان وارداً. فقد أغلقت كل الطرق التي تربط المناطق ذات الغالبية الشيعية من الجنوب إلى بيروت فالبقاع ما دفع بالأوضاع إلى مرحلة خطرة.

أما اليوم فلبنان على وشك الإفلاس وانعدمت الثقة بالليرة اللبنانية وبالنظام المصرفي. أما الدعم الأميركي للجيش بقيمة 105 ملايين دولار فهو لا يتعلّق بالدين العام والبالغ 85 مليار دولار.

ووفق القريبين من «محور المقاومة»، وحدهما الصين وروسيا – الدولتان اللتان يخشاهما فيلتمان – تستطيعان إعادة بعض الأمل المالي للبنان. فمنذ ان استثمرت الصين في ميناء حيفا لمدة 25 عاماً وهي تحدّث محطات توليد الطاقة والنقل العام في إسرائيل وهي أنفقت 12.19 مليار دولار بين 2005 و2019.
ووقّعت الصين عقوداً مع العراق لتطوير حقل مجنون النفطي العملاق ولحفر 43 بئراً نفطية بقيمة 309 ملايين دولار لزيادة الإنتاج النفطي. ووقّعت عقداً بقيمة 1.39 مليار دولار للإسكان والتعليم والرعاية الطبية في النجف وكربلاء والبصرة. وتجاوز حجم التجارة بين العراق والصين 30 مليار دولار العام 2017، وتستورد بكين بقيمة 20 مليار دولار من النفط الخام من العراق سنوياً.

ويعتقد هؤلاء أن السياسيين في لبنان المؤيّدين لأميركا لا يريدون إيذاء شعور واشنطن، وبالتالي يرفضون أي تبرع روسي أو عرض صيني يساهم في تعزيز الاقتصاد.

هذا التوازن يساهم بالتفكك المالي في لبنان. فأميركا تتصرف وكأنها فيل في محل زجاج، تفرض العقوبات يميناً وشمالاً ولا تلمّ بالوضع في الشرق الأوسط من كل جوانبه، وتستفيد إيران ومحورها من الأخطاء الأميركية لتصبح سياسة ترامب – التي اعتبرها وزير الخارجية الصيني وانغ يي كأكبر مصدر لعدم الاستقرار العالمي – مصدراً لقوة روسيا والصين في الشرق الأوسط.