IMLebanon

لبنان… مشاغَلة بـ «الشغب» لإبقاء الحريري في بيت الطاعة

 

لم تصمد طويلاً اندفاعةُ رئيس الجمهورية ميشال عون في اتجاه تحديد موعدٍ كان مقَرَّراً اليوم أو غداً للاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف رئيس للحكومة العتيدة، ليعود المأزقُ الذي تعيشه البلاد إلى “الدوران في مكانه” وسط ارتباكٍ كبير لأطراف السلطة (تحالف فريق عون – “حزب الله” وحركة “أمل”) في مقاربةِ الأزمةِ التي يُخشى أن تكون باقيةً وتتمدَّد، بما يضع لبنان أمام سيناريواتٍ قاتمة في سياق محاولاتٍ بدأتْ لـ “كسْر شوكة” ثورة 17 أكتوبر عبر “الليالي التوتيرية” وأخرى تفوح منها رائحةُ اتجاهاتٍ لتطويع ممانعة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري السير بتشكيلة بشروط الآخَرين (حكومة تكنو – سياسية) واقتياده إلى الخيار الذي لا يريده.

ولم يكن صعباً “تفكيكُ شيفرةِ” الانقلاب في المناخ الذي كان رُوِّج له أول من أمس، بعيد إعلان الحريري عزوفه عن قبول أي تكليفٍ له لتشكيل الحكومة الجديدة، حول إعلانٍ وشيك سيصدر من “القصر” ويحدد موعد الاستشارات الملزمة (الخميس أو الجمعة) مع إيحاء بأن الدعوة إليها صارت “قيد الطبع” على أن تُفْضي إلى تكليف رئيسٍ غير زعيم “تيار المستقبل” وذلك بالتوافق معه أو من دونه.

وفي هذا الإطار، بدا واضحاً أن موقف القصر الجمهوري في “ثلاثاء العزوف” كان أقرب إلى “ردّ الفعل” على خطوة الحريري الذي أعطى إشارة “تَحرُّر” من محاولات تقييده بالشروط وتحميله مسؤولية العجز عن تشكيل الحكومة بعد شهر من إعلان استقاله استجابةً لمطلب الانتفاضة الشعبية، وهي “الحرب الناعمة” التي احتُجز معها التكليف والتأليف معاً من ضمن حرص تحالف فريق عون – الثنائي الشيعي على الإبقاء على ورقة التكليف “في الجيْب” للضغط عبرها لانتزاع المواصفات المطلوبة لحكومةٍ تُلاقي بالحدّ الممكن الثورة الشعبية وتحْفظ في الوقت نفسه التوازنات السياسية التي أرستْها الانتخابات النيابية (فاز فيها هذا التحالف) بما لها من أبعاد إقليمية لا يمكن إغفالها.
وبحسب أوساط سياسية، فإنّ “حزب الله” خصوصاً لم يتراجع عن تَمَسُّكه بالحريري لرئاسة الحكومة التكنو – سياسية أو أقلّه أن يغطّي الأخير الشخصية التي قد تُكلَّف لتشكيلها على أن يشارك “تيار المستقبل” فيها، وهو الهدف المركزي للحزب الذي يرفض أن يقفز الحريري من “المركب” المالي – الاقتصادي الذي يغرق لترْك فريق 8 آذار يتدبّر أمر “كرة النار” بين يديه، والذي يصرّ أيضاً على أن يكون زعيم “المستقبل” شريكاً في توفير غطاء سياسي له في مواجهة العقوبات الأميركية، ناهيك عن إدراكه مخاطر الانزلاق نحو “حكومة اللون الواحد” (بحال عدم مشاركة “المستقبل” بعد “القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي في الحكومة العتيدة) التي من شأنها أن تضعه وجهاً لوجه مع المجتمع الدولي فتزداد عزلته ومعه لبنان.
وفيما كانت مصادر قريبة من القصر الجمهوري تعزو تأخير موعد الاستشارات لنحو 48 ساعة إلى “التشاور حول اسم الرئيس المكلف بالإضافة إلى الاتصالات مع الكتل حول الترتيبات اللوجستية”، لافتة الى “أن التأخير له فائدة في توضيح الصورة في ما خصّ خيارات الكتل النيابية حول تسمية الشخصية”، كان بارزاً غمْزها من إصرار على أنّ الأسماء البديلة عن الحريري لرئاسة الحكومة تكون بالتشاور والتوافق معه، وسط تأكيد قناة “او تي في” (تابعة للتيار الوطني الحر – حزب عون) “أنّ الاسم الاكثر ترجيحاً لرئاسة الحكومة لا يزال سمير الخطيب (المدير العام لشركة “خطيب وعلمي) وأن هناك بعض التفاصيل التي تنتظر حسم بعض الكتل لموقفها نهائياً والأمر يتبلور خلال الساعات المقبلة”.
وعَكَس هذا الجوّ المتريّث أن الملف الحكومي ما زال يدور في “حلقة مفرغة”، في ظلّ أن الحريري لم يكتفِ بإعلان “ليس أنا بل أحد آخَر لرئاسة الحكومة” بل ذهب إلى حد تأكيد أنه لن يعلن اسم مرشحه لرئاسة الحكومة إلا في الاستشارات النيابية رافعاً الغطاء الذي جرى الإيحاء بأنه أعطاه للخطيب وسواه (بينهم وليد علم الدين وفؤاد مخزومي)، وسط معطياتٍ إلى أن التعقيدات التي اصطدمت بها جولات تفاوض ما قبل العزوف لم تتغيّر، سواء لجهة محاولات “جذْب” زعيم “المستقبل” لترؤس حكومةٍ تكنو – سياسية ولو بشروط اعتبر رئيس البرلمان نبيه بري أنها أقرب إلى “لبن العصفور” بالنسبة إلى فريق 8 آذار، أو لناحية إقناعه بتغطية مثل هذه الحكومة والمشارَكة فيها.
وفي حين تقاطعتْ تسريباتٌ أمس عند الكشف عن أن آخِر الصيغ التي عُرضت على الحريري في سياق الحكومة التكنو – سياسية، كانت تقضي بأن يكون هناك 4 وزراء يمثلون القوى السياسية و 14 أو 16 وزيراً تكنوقراط ومن الحراك الشعبي، ولكن الخلاف كان قائما حول هوية التكنوقراط وهل يُسمون من الأحزاب أم من خارجها، تأكّد وجود قطب مخفية أخرى كانت أشارت اليها “الراي” أول من أمس وأهمّها الإصرار على توزير رئيس “التيار الحر” جبران باسيل، وهو ما سبق للحريري أن أبدى رفْضه القاطع له سواء كان الأمر يتعلّق بحكومة يترأسها (تكنوقراط) أو بحكومة يمكن أن يغطّيها.
وظهّر هذا الأمر بوضوح مستشار الحريري الوزير السابق غطاس خوري الذي أكد (لـ “النهار”) ان “قرار الحريري عدم ترؤس الحكومة المقبلة يعود الى أن هناك رفضاً كاملاً لحكومة التكنوقراط وإصراراً على حكومة تكنو ـ سياسية مشكَّلة من شخصيات كانت في الحكومة السابقة وفي طليعتها الوزير جبران باسيل، ونحن لا نريد أن تعود الحكومة السابقة مع بعض “الرتوش”. وفيما أعطى الثنائي الشيعي “حزب الله” – أمل إشاراتٍ إلى عدم ممانعته الدخول في وضعيةِ انتظار طويلة عبر الدعوة لتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال بدليل تساؤل بري عن سبب “عدم قيام الحكومة المستقيلة بواحباتها” وهو ما ردّ عليه الحريري عبر مصدر قريب منه مؤكداً “أن حكومة تصريف الأعمال تقوم بواجباتها (…) والأهمّ عدم تعليق الوضع الحكومي بالهواء الى ما لا نهاية”، تساءلت أوساط مطلعة عما إذا كان الضغط على الحريري لتشكيل حكومة – سياسية أو تغطيتها يمكن أن يصل إلى حد استخدام “الورقة الأمنية” بما يكبح في الوقت نفسه جماح الانتفاضة و”يحمي” الخيار الحكومي للسلطة.
وإذ استوقف هذه الأوساط الكلام الذي اعتُبر تهويلياً لباسيل من بودابست وقوله “تخيلوا أنهم يعِدون اللبنانيين بربيع آخر وهم يحضّرون لهم شتاءً آخر في ظل إنتفاضةٍ محقّة بدأت ملونةً وقد تنتهي سوداء إذا استمرّ النفخ فيها حقداً وتحريضًا وتقطيعاً لأوصال الوطن”، أشارت إلى الدلالات المخيفة للمشهد الذي ارتسم ليل الثلاثاء – الأربعاء مع تكريس معادلة “الشارع مقابل شارع” التي بدأها مناصرو “حزب الله” و”امل” في بيروت وصور وبعلبك بوجه الثوار، واستُكملها “التيار الحر” في بكفيا حيث توجّه موكبٌ إلى المنطقة مطْلقاً هتافاتٍ ضدّ الرئيس السابق أمين الجميل وتصدّى له مناصرو حزب الكتائب ومنعوه من التوجّه الى أمام منزل الأخير مع تسجيل مواجهات وتكسير سيارات وسقوط 8 جرحى من الجيش اللبناني.
وفي الوقت نفسه، كان “خط التماس” الشهير الذي انطلقت منه “بوسطة” الحرب الأهلية وهو عين الرمانة – الشياح يشهد مواجهاتٍ بين مناصرين للثنائي الشيعي وآخَرين لـ “القوات اللبنانية” و”الكتائب” انتهت بفصْل الجيش بين المتواجهين وجرْح 10 عسكريين جراء التراشق بالحجارة (بين الطرفين)، وذلك قبل أن يتمدّد مشهد الشغب الذي اعتُبر مفتعلاً إلى “قلب الثورة” طرابلس حيث قامت مجموعة من الشبان بمحاولة إقتحام مكتب التيار الحر في شارع الجميزات بهدف إنزال العلم الحزبي المرفوع عليه، فتصدت لهم قوة من الجيش اللبناني ما أدى الى وقوع مواجهات عنيفة أدت إلى جرح 33 عسكرياً وعدد من المتظاهرين قبل أن ينْدفع الشبان لتكسير واجهات المصارف ومحال تجارية والاعتداء على أملاك خاصة وإحراق صراف آلي.