IMLebanon

كيف يدفع اللبنانيون فواتيرهم؟! (تقرير ميليسا ج. افرام)

يعيش لبنان أسوأ ازمة ومالية في تاريخه الحديث منذ الاستقلال. لكن حجم الكارثة التي ضربت اللبنانيين لم تتظهّر بعد في كل أبعادها. فالمعاناة بدأت منذ أواخر أيلول بالظهور من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة وأزمات المحروقات والخبز والدواء، إضافة إلى معاناة جمود الحركة الاقتصادية بشكل غير مسبوق وتعثّر عمليات الاستيراد والتحويلات المالية من والى لبنان بالعملة الصعبة، لكن هول الكارثة ظهر بشكل مباشر في مطلع شهر تشرين الثاني مع إقفال عدد كبير من الشركات والمؤسسات، ومع تسريح آلاف الشركات لأعداد كبيرة من الموظفين لديها، إضافة إلى اعتماد مؤسسات أخرى على سياسة دفع نصف راتب لموظفيها حتى إشعار آخر!

وفي الموازة بلغت إجراءات المصارف أقصى درجات التشدد في الحد من عمليات السحب النقدي وحتى عبر الشيكات في أحيان كثيرة، ما عقّد كل العمليات التجارية إضافة الى معاملات الرواتب وغيرها.

هكذا وجد اللبنانيون أنفسهم وسط معادلة كارثية: لا سيولة لديهم ولا إمكانات مادية وخسارات بالجملة للوظائف وفرص العمل، وفي المقابل استمرار المستحقات عليهم بشكل مخيف. وفي التفاصيل الكارثية أن العائلات اللبنانية وجدت نفسها أمام استمرار استحقاق دفع إيجار منازلها أو سندات القروض المنزلية والقروض المصرفية الأخرى، واستمرار استحقاق فواتير الكهرباء والمولدات، والأخطر استحقاق الأقساط المدرسية والجامعية، ما جعل أكثرية العائلات اللبنانية عاجزة عن دفع الاستحقاقات التي تواجهها إما بسبب أن ربّ العائلة بات بلا عمل وبلا راتب، وإما لأنه بات يقبض نصف راتب ما لا يكفي حتى لإطعام العائلة ليس أكثر!

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن الكارثة التي حلّت أدخلت الجميع في نفق مظلم وطويل، وخصوصا أن لا بوادر تلوح في الأفق لحل قريب، ما يجعل الجميع يدورون في حلقة مفرغة ستقود إلى سلسلة من الإضرابات والنزول الى الشارع لن تنتهي. ويشرح الخبراء الحلقة المفرغة كالآتي: إذا لم يسدد المواطنون كلفة اشتراك المولدات فإن أصحاب المولدات سيعجزون عن شراء المازوت لتشغيل مولداتهم، ما يعني عمليا إطفاء هذه المولدات ما يسبب معاناة كارثية للبنانيين في ظل عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين البديل. وحتى فواتير مؤسسة الكهرباء لن تجد من يدفعها في الحال الراهنة، فسواء كانت هذه الفواتير موطنة في المصارف حيث لا سيولة لدى المواطنين بسبب عدم قبض رواتبهم، وسواء أتى الجباة الى المنازل والمواطنون عاجزون عن الدفع فهل تقطع المؤسسة الكهرباء عن المنازل؟!

وفي المدارس والجامعات الحلقة المفرغة نفسها: إزاء تقاعس الأهالي المحتمل بنسبة كبيرة عن دفع الأقساط حالياً، ستعجز الإدارات عن تسديد مستحقاتها وأبرزها رواتب الأساتذة، ما سيدفع الأساتذة إلى الشارع والإضراب وما سيعني حكماً تهديد السنة الدراسية والجامعية!

كما يلفت الخبراء إلى أزمة حقيقية تتعلق بالقروض المصرفية على أنواعها، بداية القروض بالدولار حيث يحاول عدد كبير من المصارف الامتناع عن قبض السندات المستحقة بالدولار بالليرة اللبنانية كما نصّ تعميم حاكم مصرف لبنان ووفق السعر الرسمي، وفي المقابل يطلبون من زبائنهم أن يشتروا الدولار من الصرافين لتسديد هذه القروض وهو ما يبدو مستحيلاً لأنه سيكبّد المواطنين خسائر باهظة لا قدرة لهم على تحمّلها، وهذا الواقع سيزيد نسبة القروض غير المسددة. كما أن المواطنين الذين سُرّحوا من أعمالهم أو باتوا يقبضون نصف راتب، يجدون أنفسهم مضطرين لتسيير أمورهم الأساسية وفي طليعتها الطعام والحاجات الأساسية كالدواء فيرجئون كل الاستحقاقات الأخرى ومنها دفع سندات القروض المصرفية ولو كانت بالليرة، وهذا ما سيزيد شحّ السيولة لدى المصارف التي ستعجز عن تحصيل الأموال من زبائنها بعدما مارست بدورها تقطير منحهم السيولة، كما سيكبد المواطنين تكاليف بنود جزائية كبيرة بسبب تأخرهم في سداد سنداتهم!

وثمة استحقاق خطير يدهم اللبنانيين ويتعلق بصحتهم، وهو استحقاق تجديد بوالص التأمين الصحي مع اقتراب نهاية السنة، فما الذي سيحصل؟ هل ستقبل شركات التأمين أن تقبض كلفة البوالص بالليرة اللبنانية وبسعر الصرف الرسمي للدولار أم تحاول فرض سعر السوق السوداء ما يعني امتناع أكثرية بين اللبنانيين من تجديد بوالصهم؟ وما يمكن ان يحل بالشركات عندها؟ وهل يعتبر اللبنانيون أن بوالص التأمين الصحي أساسية أم يقررون الاستغناء عنها والاكتفاء بطبابة صندوق الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة؟ وهل ستبقى هذه المؤسسات قادرة على تسديد مستحقات المستشفيات واستقبال المرضى، وتحديدا وزارة الصحة، في ظل عجز الدولة؟!

ولم يكن يكفي المواطنين كل الذلّ الذي يتعرضون له، حتى فاجأهم أصحاب محطات الوقود والموزعون وشركات استيراد النفط عبر إعلان الإضراب المفتوح، ما يهدد بعدم قدرة اللبنانيين على الذهاب إلى أعمالهم اعتباراً من الاثنين المقبل بفعل نفاذ مادة البنزين من سياراتهم، وهذا ما سيوقف كل شيء في البلد… فإلى أين سيصل الانهيار؟ وكيف يمكن لأي لبناني أن يسدّد فواتيره في ظل هذه المعادلات؟!