IMLebanon

حكومات الوحدة الوطنية.. ما قبل وما بعد 17 تشرين

مع كل تشكيل للحكومات المتعاقبة، تستحضر نغمة حكومات الوحدة الوطنية، على وقع الشهية الجماعية، وربما الطبيعية، للمشاركة في اتخاذ القرار السياسي في البلاد، بفعل غطاء شعبي كسبته الأحزاب في الانتخابات النيابية.

قد يكون هذا الأمر جائزا في مرحلة ما قبل ثورة 17 تشرين الأول. لأن ما بعدها مرحلة تبدو مكتوبة بحبر معادلات جديدة فرضها المنتفضون بأصواتهم وحناجرهم مطيحين الممارسات البالية. وفي السياق، تذكّر مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” أن في الدول الحضارية، يتم اللجوء إلى هذا النوع من الحكومات الجامعة بعد الحروب والنكبات والكوارث الكبيرة، على اعتبار أن الخروج منها يستوجب اشراك الجميع في اتخاذ قرارات مصيرية قد تكون الدولة برمتها متوقفة عليها. غير أن هذا لا ينفي أن هذه التوليفة تبقى خيارا نادرا، أو على الأقل بمثابة الخطة “ب”، لا الخيار الأول. كيف لا والدول الديموقراطية المحترمة تعرف أن هذه الأنظمة لا يمكن أن تحيا من دون موالاة تحكم ومعارضة تعارض.

أما في لبنان، فتشير المصادر إلى أن حكومات الوحدة الوطنية “قذفت” إلى الواجهة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب المدمرة لأن الخروج منها بأقل الأضرار كان يستدعي اشتراك الجميع في القرار السياسي. غير أن الأهم يكمن في أنها أتت أيضا لإراحة مكونات سياسية شعرت بالاستهداف بفعل اتفاق الطائف، بدليل أن صلاحيات رئيس الجمهورية نقلت لا إلى رئاسة الحكومة، بل إلى مجلس الوزراء مجتمعا. ولا يخفى على أحد أن في ذلك محاولة لتأمين أوسع غطاء سياسي وربما طائفي للقرارات الحكومية.

لكن كل هذا في واد ومساوئ حكومات الوحدة الوطنية في واد آخر. وفي السياق، تذكر المصادر أن الشهية المفتوحة على مشاركة الجميع في الحكومات، أجهزت على مبدأ المحاسبة الحقة، التي من شأنها أن تصوب الأداء الخاطئ، متى وجد.

وتفسر المصادر هذه الصورة على أنها هي التي تؤدي إلى احجام الأحزاب عن الركون إلى المعارضة، مبدية الخشية من البقاء خارج الجنة السياسية، ودفع الثمن عزلة سياسية قد تكون مكلفة. علما أن مراجعة سريعة للتاريخ الحديث تفيد بأن بعض المعارضات سجلت إنجازات مهمة، لا يجوز التغاضي عنها.

إلا أن المصادر تختم بالإشارة إلى أن هذه المعادلة الدقيقة هي نفسها التي دفعت الناس إلى الثورة، وهي باتت خيارهم الأخير… لا لشيء إلا للمطالبة بمحاسبة الجميع تحت شعار “كلن يعني كلن”، ما يعني أن حكومات الوحدة الوطنية ما عادت قابلة للحياة، وقد قضى عليها الشارع الثائر الذي يجب أن تستجيب له السلطة بدلا من المضي في محاولات قمعه.