IMLebanon

“الحزب” يبادر ويتقدّم للمرة الاولى

كتب جوني منير في “الجمهورية”:

 

بدءاً من الغد سيدخل لبنان مرحلة ديفيد هيل، ذلك انّ الواقع اللبناني المأزوم سيتفرّغ لتفكيك الرسائل التي سيحملها مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية. صحيح انّ الاقتراحات التي سيحملها حول ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية سيأخذ جانباً من الاهتمام الداخلي، إلاّ أنّ الاوساط السياسية والاعلامية ستنشغل أكثر بالرسائل التي سيحملها والتي تتمحور حول الأزمة السياسية الداخلية الخانقة.
في العادة، فإن المكتوب يُقرأ من عنوانه، ذلك انّ الاوساط الديبلوماسية الاميركية استمرت بالحديث طوال الايام الماضية عن توقعاتها حول ازمة لبنانية طويلة، وانّ لا حلول تبدو في الأفق القريب. بل اكثر، فإنّ الكلام الاميركي على التحضير لمساعدات غذائية للبنانيين، لأنّ الازمة المالية والاقتصادية ستشتد حول رقابهم.

وفي الواقع، هنالك من يرجّح أن يعمد الديبلوماسي الاميركي للتطرّق الى الواقع الاقتصادي والمالي الخطير للبنان وانعكاساته الكارثية على اوضاع اللبنانيين، وانّ العاصمة الاميركية كما العواصم الغربية الاخرى، لن تُقدم على مدّ يدّ المساعدة المالية للبنان الّا بعد تشكيل حكومة تحظى بالمواصفات والمصداقية المطلوبة، وفي طليعتها إبعاد الاحزاب والقوى السياسية عن الحقائب الدسمة والمنتجة.

وهنا يكمن بيت القصيد.

ذلك انّ الاستنتاج الاولي يشير الى انّ الازمة الداخلية لم تصل بعد الى الاهداف المطلوبة. وكي لا «نشطح» كثيراً في تخيّلاتنا، فانّ الطبقة السياسية الحاكمة لا تزال تكابر وتضع مصالحها الذاتية وطموحاتها الشخصية قبل اي اعتبار آخر.

وفي الدراسة التي اجرتها منظمة الشفافية الدولية أخيراً، والتي نُشرت عبر وسائل الاعلام، تبيّن ان 87 % من اللبنانيين يعتبرون انّ الحكومة لا تبذل قصارى جهدها للتصدّي للفساد، وهو المعدّل الأعلى بين لبنان والاردن والمغرب وفلسطين والسودان وتونس، وهي البلدان التي شملتها الدراسة. ما يعني أنّ الثقة المفقودة بالكامل تجاه الطبقة السياسية الحاكمة تدفع بالشارع لزيادة ضغطه لاقتلاع هذه الطبقة لا العكس. لكن باب الخطورة يكمن ايضاً في الاستثمار الخارجي «لفساد» أهل السلطة ما دام الاقتصاد ينهار والحلول محصورة بمساعدات الدول الغنية. عند هذه النقطة تتداخل السياسة بالانقاذ.

وخلال الايام الماضية سادت تفسيرات وتعليلات كثيرة لموقف «القوات اللبنانية» بحجب اصواتها عن تكليف سعد الحريري. واضح انّ كل ما ورد كان صحيحاً ويعكس المسار الصعب في العلاقة بين «بيت الوسط» ومعراب، منذ حصول التسوية الرئاسية، إلّا أنّ سمير جعجع ما كان ليندفع في موقفه لولا وجود تشجيع او على الاقل عدم اعتراض خارجي له. وقد لا يكفي الموقف السعودي هنا، بل المزاج الاميركي ايضاً.

ولا شك في أنّ الرئيس الحريري وغيره من الفرقاء السياسيين بمن فيهم «حزب الله»، قد قرأ وبتمعّن الخلفيات السياسية لموقف «القوات». ووفق هذه القراءة فإنّ التوقعات تشير الى انّ هنالك من يريد أن يستبدل سعد الحريري بالسفير السابق نواف سلام على رأس حكومة خالية من اي وجود او تأثير حزبي، وهو ما يعتبره «حزب الله» بمثابة اعلان حرب عليه، وسيعمل على محاربته بكل الوسائل المتاحة.

من هنا التوقعات الاميركية التي استبقت زيارة هيل، بأنّ أفق الحل للأزمة الداخلية ليس قريباً والاستعدادات لمواكبة ازمة حياتية خانقة تبدو أكثر تجانساً مع هذه الصورة.

في المقابل بدا «حزب الله» أكثر تمسّكاً بتسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة، وهو سعى خلال الساعات الماضية، إن مباشرة او عبر الرئيس نبيه بري، الى ردم الهوة بين الحريري ورئيس الجمهورية.

ورغم صعوبة المهمة، إلّا أنّ «حزب الله» كان اعتقد بأنّه نجح في اقناع الحريري بقبول مهمة التكليف بمعزل عن الرقم الذي سيناله، مع وجود احتمال أن تُقدم كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية على تغيير موقفها، في حال بدأت بعض الكتل بتسمية نواف سلام، إلّا اذا تراجع رئيس الجمهورية عن موقفه، إما بتأجيل الاستشارات لأيام اضافية تسمح بنسج ترتيبات بين قصر بعبدا و»بيت الوسط»، او بتعديل موقف تكتل «لبنان القوي» من تسمية الحريري نزولاً عند تفهّم هواجس «حزب الله».

لكن اعتذار الحريري أعاد خلط الأوراق، وجعل الثنائي الشيعي متوجساً من ان يكون الحريري خضع لضغوط خارجية تقضي بتسمية نواف سلام. وما عزّز هذا الاعتقاد قرار كتلة «المستقبل» بحسم موقفها النهائي من التسميات قبل بدء الاستشارات بنصف ساعة فقط.

لكن أحداث الشارع اظهرت انّ المشكلة باقية الى حين تأليف حكومة اخصائيين وبرئاسة نواف سلام، وهو ما ظهر في مواجهات الليالي الاخيرة التي جاءت عنيفة.

لذلك تردّد انّ الديبلوماسي الاميركي سيحمل تحذيراً للمسؤولين اللبنانيين من مغبة الاستمرار في سياسة ترهيب المتظاهرين وتعنيفهم، اضافة الى الاعلاميين، لأنّ هذا الامر ستترتب عليه عقوبات اميركية، وربما ايضاً من المنظمات الدولية.

وخلال الايام الماضية بدا واضحاً انّ هنالك من يدفع الامور الى صراع مذهبي وطائفي، وهي نقطة ضعف الحراك الشعبي في لبنان ومعضلته. فكثيرون باتوا عالقين ما بين رغبتهم في ان يصبحوا مواطنين لبنانيين ليس اكثر، وهو ما ظهر بوضوح مع انطلاق الحراك الشعبي، وبين خوفهم من ان يصبحوا من دون غطاء داخلي وسياسي اذا ما ابتعدوا عن النموذج الطائفي التقليدي، وهي الصورة التي سادت خلال الايام الماضية.

الى جانب هذه الصورة الداخلية القاسية، فلا يجب حرف الانتباه عن مسعى هيل حيال ترسيم الحدود البرية والبحرية والبلوك رقم 9.

مع الاشارة الى انّ ذلك يحصل بالتزامن مع مناورات وتدريبات عسكرية اسرائيلية تحصل إما في قبرص، في مناطق مشابهة لطبيعة لبنان وتحاكي حرباً مع «حزب الله»، أو مرة ثانية بالقرب من الحدود مع لبنان وسوريا. وتشارك فيها فرقتا «الجليل» و «الجولان» وتحت عنوان مواجهة تحدّيات وتهديدات متنوعة في الجبهة الشمالية.

في وقت نشرت فيه صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية على لسان المحلل العسكري فيها اليكس فيشمان، أنّ قوة «حزب الله» العسكرية تضم حوالى 30 الف مقاتل نظامي الى جانب 15 الفاً من الاحتياط، ومعهم فرقة «الرضوان» التي تضمّ زهاء خمسة آلاف عنصر هم من النخبة والمؤهلين لاختراق الحدود.

في المحصلة، فإنّ امامنا مرحلة صعبة جداً.