IMLebanon

إشارات سياسية لاذعة خرقت «هدنة الأعياد»: أول صِدام مباشر بين عون والحريري

ما أن طُويت صفحة التكليف وفتحت صفحة التأليف، حتى انفجر الوضع على جبهة بيت الوسط ـ بعبدا، بعدما خرج الرئيس سعد الحريري عن صمته وبادر الى التصعيد ليؤكد، ما تأكد يوم خروجه من رئاسة الحكومة وتكليف د ..حسان دياب بأن «التسوية الرئاسية سقطت».. لم يسبق أن كان الحريري على هذه الدرجة من التوتر السياسي، كاشفا أوراقه وتموضعه الجديد.

ولم يسبق أن كان يوما بهذا الشكل الحاد والمباشر في اتجاه الرئيس ميشال عون.. بدا واضحا أن الحريري «فجّر» الكبت السياسي لديه وأفرغ ما عنده على نحو لم يعهده أحد من قبل، وفتح النار على «العهد» من دون مداراة وتدوير زوايا.

فشن هجوما على طريقة تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، وعلى طريقة تعاطي الوزير جبران باسيل بالأمر، كاشفا أن باسيل أعد لائحة تضم خمسين اسما سلمها الى دياب لينتقي منها الوزراء في الحكومة العتيدة.

وقال ان العهد (قاصدا عون) وباسيل يتصرفون وكأن لا شيء حاصل في البلد، وأن «فريق الرئيس يتعامل مع الدستور والقانون على أنه وجهة نظر».

هذه «حكومة جبران باسيل» يقول الحريري، معلنا أنه لن يمنحها الثقة، و«أنا لم اسم دياب ولن أعطيه الغطاء ولا الثقة».

واضح في هجوم الحريري أنه حصر هجومه بـ «الثنائي الماروني» في الحكم (عون ـ باسيل)، وحرص على تحييد الثنائي الشيعي (نبيه بري ـ حسن نصرالله» والتهدئة معه.

حتى رده على كلام بري الذي اتهمه بأنه يلعب بالنار وأنه نادم على عدم البقاء في رئاسة الحكومة، جاء ردا معتدلا ومهادنا، مؤكدا أنه غير نادم على قراره عدم تأليف الحكومة لا من قريب ولا من بعيد، وأنه دفع الثمن كثيرا عندما كان الآخرون يلعبون بالنار من خلال قطع الطرقات وإقفال المجالس، «وبالنسبة لي الفتنة السنية ـ الشيعية خط أحمر.. ولبنان ممنوع أن يدخل فيها ونقطة على السطر».

وحتى في تبريره لعدم تسمية نواف سلام، مرر رسالة إيجابية الى الثنائي الشيعي موضحا أنه لم يسم سلام لأنه لن يحظى بصوت شيعي واحد، وأنه حريص على التوازنات في البلد.

الحريري يرد بذلك ضمنا على وليد جنبلاط الذي استغرب عدم تسميته لنواف سلام أسوة بما فعله هو.. الحريري في هجومه لم يوفر الحلفاء والخصوم على حد سواء، ولكن انتقاده لجنبلاط جاء أخف وطأة من انتقاده للقوات اللبنانية، فقد حمّل القوات مسؤولية وصول عون الى رئاسة الجمهورية، مذكرا بأن مرشحه كان سليمان فرنجية، وحملها أيضا مسؤولية خروجه الآن من رئاسة الحكومة، لأنها امتنعت عن تسميته.. ولكن الهجوم السياسي «الغاضب» كان من الحريري في اتجاه الرئيس عون (وباسيل) للأسباب التالية:

٭ شعور الحريري أن الرئيس عون عمل على إزاحته ولم يتقبل شروطه ومطالبه للقبول بتأليف الحكومة، ولكن يجري توفير هذه الشروط لحسان دياب، بما في ذلك التراجع عن حكومة تكنو-سياسية والقبول بحكومة اختصاصيين.

٭ الحاجة الى لملمة وضعه في الشارع السني المنتفض من خلفية الشعور بتراجع دور وصلاحيات وهيبة رئاسة الحكومة، والذي لم يتقبل تساهل الحريري مع باسيل وعون في المرحلة السابقة، ويصب الآن جام غضبه عليهما في مسألة إبعاد الحريري والطريقة «غير الميثاقية» التي تم بها الإتيان بالرئيس المكلف حسان دياب.

٭ التمهيد لإعادة تموضع سياسي في المرحلة المقبلة، في حالة تشكيل حكومة دياب التي سيتعاطى معها كحكومة مواجهة ولون واحد، منتقلا الى المعارضة.. الحريري كأنه يعلن أنه لن يغادر الى الخارج والى المنفى السياسي الطوعي، وإنما سيستمر في اللعبة وفي المواجهة الى حين تحقيق أحد أمرين: إما عودته الآن رئيسا مكلفا في حال فشل دياب في مهمة التأليف، وإما عودته بعد حين في حال شكلت حكومة دياب التي لن تصمد طويلا.

إذا كان الحريري فجر مفاجأة الهجوم المباشر على «العهد»، فإن رئيس الجمهورية فجّر مفاجأة الرد المباشر على الحريري واختار منصة أو منبر بكركي التي قصدها لحضور قداس الميلاد وعقد خلوة مع البطريرك الراعي الذي صدرت عنه إشارة بليغة وداعمة للرئيس بأن أعلن وجوب دعم الرئيس المكلف في تشكيل حكومة اختصاصيين.. وجه عون رسالة لاذعة الى الحريري قائلا إنه لم يكن يمانع ترؤس الحريري للحكومة، وانتظر من أجل ذلك طوال الفترة الماضية، لكن الحريري هو الذي كان يتخذ مواقف متضاربة: «بدي وما بدي». فوصفه على نحو ساخر بأنه يلعب «بزهرة المارغريت، بتزوج، أو ما بتزوج، ومش هيك بيشكلوا حكومة».

كشف عون أن الحكومة العتيدة ستكون قريبة «عيدية رأس السنة»، ما يعني أنه ماض قدما من دون الاكتراث الى اعتراض الحريري على فقدانها «الغطاء السني»، مؤكدا أن جبران باسيل ليس هو من يؤلف الحكومة، وإنما من يجب أن يؤلفها.

ورد عون على كلام الحريري بأن العهد يتصرف وكأن شيئا لم يحصل في البلد قائلا: «هل يريد أن يحسدني على هدوئي، كي أحافظ على الهدوء في البلد أم على حماقتي التي تجعلني أتصرف بشكل سيء؟»، واعتبر عون أنه لم يتم الحديث بعد بشكل الحكومة، رافضا وصف الحكومة بحكومة اللون الواحد لأن اللون لا يتحدد بالتكليف، بل إن ما يحدد اللون هو التأليف.

وشدد عون على أن الحكومة ستكون مؤلفة من اختصاصيين وليس تكنو-سياسية.

أما رده على السؤال بأن الميثاقية في خطر، من جراء التكليف الذي حصل والذي لا يحظى بالغطاء السني، فأجاب: «انتظرناه مائة يوم ليعود الحريري، ولكنه هو الذي تمنع».

ما قاله الرئيس عون من بكركي كاف للاستنتاج أن علاقته مع الحريري انتهت الى الانفصال على أبواب الحكومة الثالثة بعد «شهر عسل» في الحكومة الأولى وفتور واضطراب في الحكومة الثانية.. وأن عون اختار بين باسيل والحريري الأول.. وأن حزب الله إذا خُيّر بين عون والحريري يختار الأول.

ولكن هذا ليس رأي الرئيس بري الذي ما زال يأمل بعودة الحريري عن خطئه، ولا يريد أن يعطى لدياب ما لم يعط للحريري «حكومة اختصاصيين».. بري ما زال مع «حكومة تكنو-سياسية».