IMLebanon

التلوّث والصحّة الإنجابية

كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”:

 

أكدت أحدث الدراسات العلمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أنّ الملوثات البيئية مسؤولة عن تفشّي الأمراض وتدنّي مستوى الصحة الإنجابية. وبيّنت الكثير من الدراسات علاقة الملوثات البيئية والكيماوية بالعقم والأمراض التي تصيب الحامل والجنين.

في مقابلة مع جريدة «الجمهورية»، تحدّث الدكتور طوني زريق، البروفيسور في الجامعة اللبنانية الأميركية، ورئيس قسم الجراحة النسائية والتوليد في المستشفى الجامعي للبنانية الأميركية مستشفى رزق LAUMCRH، عن علاقة التلوث بالصحة الإنجابية، مُستهلاً بأنواع التلوث:

«من أكبر مصادر التلوث هي الأدوية، والدخان، والمشروبات، وزحمة السير، والمنشآت الصناعية، وحرق الوقود الأحفوري… وثمة 4 فئات للتلوث: الغازات (HO2, NO2, Carbon Monoxide)، المركبات العضوية (acetone, dioxine, etc)، المعادن الثقيلة (Mercury, Copper, etc)، والمواد الجسيمية (صغيرة وكبيرة)».

أضرار الملوثات على الحمل والجنين

بحسب د. طوني «نحن نتعرض للملوثات من خلال التنشّق والابتلاع. ويؤثر تلوث الهواء الأكثر على الرئة والقلب والشرايين، كما على الغدد (الغدة الدرقية وغدد البويضات)، وهو مرتبط أشد ارتباطاً بالسرطانات».

وفسّرَ: «من أهم مصادر المعادن الثقيلة: الدهان، والسيراميك، والمنتجات المعدنية، والبطاريات… وهي تخفض الخصوبة، وتؤثر على نوعية السائل، وترفع احتمال الإجهاض، وثمّة خطر تأثّر الجنين فيما هو داخل بطن الأم، وقد يصل الخطر إلى وفاته. حتى أنها تؤثر على القدرة على الانتصاب.

كما أظهرت دراسة أنّ المواد الجسيمية والمعادن الثقيلة تقلص طاقة المرأة على الإنجاب – يمكن فحص مخزون طاقة الإنجاب من خلال فحص دم – ما يؤثر على قدرة الإنجاب ويرفع احتمال الإجهاض. وحتى لو لم تجهض الأم، قد تحصل الولادة قبل التاريخ المنتظر، أو قد يولد الطفل بوزن ناقص».

وتابع زريق: «أحياناً، نجد بعض المواد الكيميائية في أجهزة نستعملها يومياً مثل الأجهزة الإلكترونية. وقد تبيّن أنّ هذه المواد تؤثر على انخفاض نوعية السائل المنوي وحركته لدى الرجال، وقد تسبّب تشوّهاً في شكل الحيوانات المنوية، كما قد تسبب إجهاضاً متكرراً. وتبيّن أيضاً أنه عند تعرّض امرأة حامل لهذه المواد، تتخطى المواد المشيمة (البلاسينتا) التي تحمي عادة الجنين. وفي هذه المرحلة، لا يستطيع كبده الدفاع عن نفسه. لذلك قد تؤثر هذه المواد على نمو الجنين (تأخر النمو، وزن ضئيل وغيرها من مشاكل النمو)، ويجري العلماء اليوم دراسات حول الموضوع».

إلى جانب ذلك، قال د. طوني: «ترفع المبيدات أيضاً من احتمال الإجهاض، وتلحق الضرر بالسائل المنوي. وقد تسبّب تشوهات في الجهاز التناسلي لدى الجنين. وتؤثر المواد المستعملة لتطرية المنتجات البلاستيكية (مثل الألعاب وغيرها من الأدوات اليومية) على السائل المنوي والقدرة الإنجابية. وفي حال نجاح الحمل، ترفع احتمال الإجهاض، وقد تسبب بقع دم داخل الحوض، ما يؤدي الى ألم كبير خلال الدورة الشهرية، وأحياناً يؤثر على القدرة الإنجابية».

أما الدخان فيؤثر على «البذرة»، ويخفض الخصوبة، ويبكّر انقطاع الطمث، ويخفض نجاح التقنيات المساعدة للحمل. وعندما تدخن المرأة الحامل (سجائر أو أركيلة)، تدخل الملوثات إلى الدم الذي يصل إلى الجنين، فيتأثر الجنين. ويزيد الكحول احتمال الإجهاض».

السمك: فوائد وأضرار

في السمك الكثير من المعادن الثقيلة، لذلك ينصح د. طوني زريق بتناوله «ولكن ليس أكثر من مرتين أو ثلاث في الأسبوع، كي لا ترتفع كمية المعادن الثقيلة في الجسم (لاسيما للمرأة الحامل). فعند المبالغة باستهلاك السمك، تنخفض نسبة نجاح التقنيات المساعدة للحمل. وفي حال نجاحه، يرتفع احتمال الإجهاض».

الدراسات

لفت زريق الى أنّ «الدراسات والإحصاءات المتعلقة بهذا الموضوع قليلة في لبنان. أمّا في الخارج، فقد بدأت الدراسات على الحيوانات، ما أنذر العلماء، ودفعهم لدراسة بيانات قديمة والتدقيق في علاقة التلوث بمَن تعرّض لأمراض أو مشاكل إنجابية معينة، وخلصوا الى بعض الأمور التي تثير الخوف. ولكننا اليوم في عالم الطب بحاجة الى براهين. لذا، على العلماء مواكبة فئة معينة من الناس، ومقارنتها بفئة أخرى غير معرّضة، ودرس الفرق بين الفئتين. هنا يكمن البرهان».

واختتم د. طوني: «في الدراسات، لا يمكن حصر ملوث واحد ودراسة تأثيره، لأنّ عدة عوامل تؤثر في هذا الموضوع، لكننا نحاول تحديد الأخطر بينها قدر المستطاع. إنّ الدراسات التي أجريت حتى الآن لا تثبت أنّ التلوث يسبب مشاكل معينة وأمراضاً، بل تقترح علاقة نسبية بينها. لذلك، نحن في حاجة للمزيد من الدراسات الدقيقة».