IMLebanon

ما سرّ تقديم الحكومة العتيدة في لبنان كـ”طُعْم”؟

هل تولد الحكومة في لبنان كـ «عيدية» 2020؟ على الأرجح لا… قد تبصر النور بعد السنة الجديدة… وربما لا تتشكّل أبداً. هذه عيّنة من الاحتمالات التي تُرْخي بثقْلها على المشهد في بيروت بعد 11 يوماً على تكليف حسان دياب تأليف حكومةٍ تُرفَع بوجهها «قبضة» ثورة 17 تشرين الأول ولا يشي مسار تشكيلها بأنه من خارج الحسابات الداخلية والإقليمية «القابضة» على اللعبةِ السياسيةِ قبل الانتفاضة الشعبية و… بعدها.
وعشية وداع 2019، أَخَذَتْ تتبدّد الآمالُ، ولو الضئيلة، بإمكان أن تطلّ 2020 برأسها على واقعٍ «متحوّل» تَخْرج معه السلطة من منطق عدم القدرة (ولا الرغبة) إلا على معاودة إنتاج ذاتها وبنفْس نهج المحصاصات والاعتبارات «ما فوق محلية»، وذلك بفعل ما يرافق عملية تشكيل الحكومة من إشاراتٍ متناقضة، إما تشكّل نسخة جديدة من أحابيل الائتلاف الحاكم وإما تؤشر لشدّ حبالٍ متعاظم بين أطرافه أو لمكائد يجري نصْبُها للشارع المُنْتَفِض.

وبعد تسريباتٍ أوحتْ باتجاهٍ لاستيلاد الحكومة قبل حلول 2020 بدفْعٍ من رئيس الجمهورية ميشال عون بحيث تنطلق السنة بزخمٍ يُراد الاستفادة منه داخلياً وخارجياً لمحاولة تَفادي السقوط الكبير المالي – الاقتصادي الذي بدأت «مؤشراته السبّاقة»، عادتْ الضبابيةُ لتلفّ هذا الاحتمال مع رفْعِ «حزب الله» شعار «عدم الاستعجال» و«لا نريد تحديد مواقيت»، وتظهير تبايناتٍ داخل «الصف الواحد» بين دياب وفريق «تكليف اللون الواحد» (فريق عون والثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما) وصولاً إلى استعصاء، حتى الساعة، «اختراق» الرئيس المكلف البيئة السنية التي يمثّلها في الهرَم الدستوري لتوزيع الرئاسات، وهو ما يتجلّى بعدم نجاحه في استقطاب أسماء للتوزير يمكن أن تشكّل تعويضاً ولو معنوياً لوضعيّته «المكشوفة» سنياً سواء بفعل «الفيتو» الضمني من دار الفتوى عليه أو «البطاقة الحمراء» شبه المعلنة من «تيار المستقبل» وزعيمه سعد الحريري بوجهه وحكومته.

وعلى وقع اعتبار وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن (المحسوبة على الحريري) أن السني الذي سيدخل هذه الحكومة «سيكون فدائياً اذ ليس من المنطق معاداة هؤلاء لطائفتهم»، سرعان ما تدافعتْ علامات الاستفهام حيال حقيقة ما يحصل في الملف الحكومي وخلفياته وتحديداً لجهة عدم نجاح تَحالُف الأكثرية البرلمانية بإكمال نصاب التكليف بتأليف حكومةٍ لوحده.
وفيما يعزو البعض ذلك إلى أن فريق الغالبية يريد «حياكةَ» تشكيلةٍ لحكومة «لون واحد» ولكن متخفّية باختصاصيين بقبّعات سياسية وذلك بما يجنّبها «العين الحمراء» الدولية وغضبة الشارع المتحفّز، فإن هذه النظرية لا تتأخّر في «السقوط» تحت وطأة تصريحاتٍ متقاطعة وبالفم الملآن: من مسؤولين في «حزب الله» أعلنوا «لا نتصور ان هناك مستقلاً بالمعنى الكامل للمستقلّ»، مُسْقطين أي التباس حول أن الحزب هو الذي سيقدّم أسماء وزرائه، وصولاً إلى مجاهرة رئيس البرلمان نبيه بري «الأساس أن تكون الحكومة بحجم الأزمة، وتحاكي الحراك والأحزاب والتكنوقراط (…) وبالتأكيد ليس حكومة مستقلين (…) والأحزاب زاخرة بالشخصيات التكنوقراط الكفوءة؟»، مبدداً الخشية من حكومة اللون الواحد «فالبلد يجب ألا يتوقف والأزمة ضاغطة، ومن هنا فإنّ البلد يحتاج الى حكومة لتبدأ عملية الإنقاذ أياً كان لون الحكومة».

وأمام هذا الغموض، ترسم أوساط سياسية عبر «الراي» 3 سيناريوهات:
– إما أن التباينات بين دياب وتحالف فريق عون – الثنائي الشيعي وتحديداً حيال عدد وزراء الحكومة التي يفضّلها الرئيس المكلف من 18 وليس 24 وسبق أن رفع لها شعار الاختصاصيين المستقلين، إلى جانب عدم تحبيذه عودة وجوه من حكومة تصريف الأعمال ورغبته بإعادة توزيع حقائب وازنة خارج «التقسيمات» المعهودة، هي من ضمن محاولةٍ لتظهير استقلاليته وإعطائه مشروعية في طائفته من بوابة «تصدٍّ» مدروس لمكلّفيه الثنائي المسيحي – الشيعي.
– وإما أن الأمر هو من باب سيناريو لإغراق دياب في التعقيدات وإحراجه لإخراجه في ظل رغبة الحريري بالعودة إلى رئاسة الوزراء وتفضيل الثنائي الشيعي التعاون مع زعيم «المستقبل» لإدارة البلاد في المرحلة الخطيرة المقبلة.
– وإما أن ثمة افتراقاً في المقاربة بين فريق عون و«حزب الله»، حيث ان الأوّل يتعاطى مع تكليف دياب، الذي جاء بعد عزوف الحريري عن إكمال السباق إلى رئاسة الوزراء بفعل عدم حصوله على دعْم أي من الكتلتين المسيحيتين الوازنتين («التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»)، على أنه فرصة لمزيد من السيطرة ضمن لعبة السلطة والإمساك بكامل الحصة المسيحية في مجلس الوزراء (النصف)، في حين أن الحزب وبري اللذين كانا حتى ربع الساعة الأخير يحبّذان عودة الحريري وإن بشروطهما لحكومة تكنو – سياسية، يقيسان الأمور من زاوية الحساسية السنية – الشيعية وتَلافي جعل الحزب خصوصاً وجهاً لوجه أمام المجتمع الدولي و«قابضاً على جمر» الواقع المالي الأقرب إلى «قنبلة موقوتة».
ووإذ توقّفت الأوساط عند سؤال إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» أمس إذا كان تأخير التأليف مقصوداً لعودة الحريري، اعتبرتْ أن تَعَمُّد بري المعروف بأنه «حرّيف» في اللعبة السياسية صبْغ الحكومة العتيدة بطابعٍ حزبي – اختصاصي وعدم ممانعته أن تكون حتى من لون واحد، في موازاة تظهير تَشاوُر دياب مع «اللقاء التشاوري» (النواب السنّة الموالون لـ «حزب الله»)، وكأنه على طريقة رمي طعْم لسمكة القرش بمعنى تقديم الحكومة «هدية» للثوار للانقضاض عليها، سواء قبل تأليفها أو ربما بعد التشكيل إذا اقتصت المناوراتُ أن تتحوّل «الحكومة الميتة» لدياب هي حكومة تصريف الأعمال من ضمن لعبة ليّ الأذرع بين فريق عون الحريري.

وفيما كان محيط منزل دياب في بيروت يتحوّل ثكنة أمنية مع تجمُّع رافضين لتكليفه أمامه وبينهم وفود من طرابلس، رأت الأوساط نفسها أن دون سيناريو عودة الحريري أسئلة كبيرة ليس أقلّها:
– كيف يمكن أن تحصل هذه العودة بعد شبه حرْق المراكب في العلاقة بين زعيم «المستقبل» وعون ورئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل، وتَعرُّض علاقة الحريري مع حليفه المفترض حزب «القوات» لاهتزاز غير مسبوق بعدما امتنع عن تسميته في الاستشارات النيابية، وهو ما جَعَلَه زعيم «المستقبل» الحيثية رقم واحد لانسحابه من مشهد التكليف تحت عنوان «أنا دائماً مع سلام الطوائف». علماً أن الساعات الماضية شهدت تراشقاً هو الاول من نوع بين «المستقبل» و«القوات» اللذان تبادلا الاتهامات حول المسؤول عن «تسليم البلد إلى الثنائي الشيعي وباسيل».

-وفي حين حاولت بعض الدوائر الإيحاء في معْرض الحديث عن أن «خيار الحريري» ما زال على الطاولة «وتحتها» بأن العلاقة مع عون قد تكون قابلة لمعاودة الترميم، إلا أن الأوساط تسأل بهذه الحال كيف سيكون ممكناً القفز فوق ما كرّسه واقعياً الثنائي الشيعي في الأسبوع الأول بعد التكليف لجهة تثبيت مبدأ الاختصاصيين المحسوبين على أحزاب وليس المستقلين، على عكس ما كان الحريري يتمسك به وشكّل أحد أسباب خلافه مع عون، إلى جانب معادلة باسيل «الحريري وأنا في الحكومة معاً أو خارجها معاً». علماً أن تقارير أشارت أمس إلى أن دياب الذي التقى عون مطولاً أول من أمس «قدّم طرحاً وسطياً يقوم على أن يكون الوزراء من الحزبيين غير النافرين أو قريبين من الأحزاب».