IMLebanon

متى الحكومة؟

كتب المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك في “الجمهورية”:

 

في التاسع عشر من كانون الأول الحالي، إستُدعي الرئيس المُكلّف تأليف الحكومة المهندس حسّان دياب إلى القصر الجمهوري في بعبدا، لإعلامه بتكليفه مهمّة تشكيل الحكومة العتيدة.

تضاربت المواقف بين مؤيّد ومعارض، وشهدت بيروت تظاهرات محدودة، ترافقت مع قطع للطرق في مناطق محسوبة على الرئيس سعد الحريري.

واتّفق الكافة على منح الرئيس المُكلّف فسحة من الزمن، لتشكيل حكومته، حتى يُبنى على الشيء مُقتضاه، إيجاباً أم سلباً.

إنطلق الرئيس المُكلّف بحركة مشاوراته مع الكتل والشخصيّات والمرجعيّات، وزار قصر بعبدا أكثر من مرّة، من دون أن يخرج حتى تاريخه الدّخان الأبيض، إيذاناً بولادة الحكومة المُنتظرة.

والسؤال الأوّل المطروح، هل مِن مهلة زمنية للرئيس المُكلّف للتشكيل؟

بالعودة إلى أحكام الدستور، لا مهلة محدّدة للرئيس المُكلّف للتشكيل، علماً أنّ الرئيس تمّام سلام أمضى أطول فترة مشاورات لتشكيل الحكومة، منذ بداية عهد «إتّفاق الطائف» حتى اليوم (كُلّف في 6/4/2013، وصدر المرسوم الرقم /11217/ بتشكيل الحكومة في 15/2/2014) أي ما يزيد عن 10 أشهر من الزمن.

أمّا السؤال الثاني والأهّم، ماذا لو اختلف الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية؟.

دستور الطائف ينطوي على ثُغَرٍ متعدّدة، ومشاريع خلاف بين أهل الحُكم، أو بين مختلف السلطات، يُستَحْسَن مُستقبلاً سدّها ومعالجتها، بنصوص جديدة واضحة لا لُبْسَ فيها ولا اجتهاد.

ومن أهمّ هذه الثُغَر، المواد والتي تتطلّب اتّفاق الرئيسين (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة) ومنها، الفقرة الرابعة من أحكام المادة /53/ من الدستور والتي تتحدّث عن صدور مرسوم تشكيل الحكومة.

وبالتالي، وحَسْماً لأي جدل، وعملاً بأحكام الفقرة الرابعة من نصّ المادة /53/ من الدستور، وسنداً لأحكام الفقرة الثانية من نصّ المادة /64/ منه، يُصْدِر رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة بالإتّفاق مع رئيس الحكومة المُكلّف. أي لا حكومة من دون موافقة رئيس الدولة ورضاه. وهذا ما يُبرِّر سبب عدم تحديد مهلة زمنية للرئيس المُكلّف لتشكيل الحكومة.

خلال انعقاد مؤتمر الطائف، تمّ طرح إعطاء مهلة محدّدة لرئيس الحكومة المُكلّف للتقيُّد بها لتشكيل الحكومة، لكنّ الرئيس الراحل صائب سلام رفض يومها هذا الإقتراح، علماً أنّ الرئيسين حسين الحسيني وسليم الحصّ اقترحا أن تكون مهلة التأليف شهراً من أجل أن يُنْجِز خلالها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، وفي حال الفشل يمنحه رئيس الجمهورية أسبوعين إضافيين. فإن لم يستطع الرئيس المُكلّف إنجاز التأليف، يتّم عندها تكليف شخصيّة أخرى.

مع الإشارة الى أنّ السبب الرئيسي، والذي دفع بالرئيس الراحل صائب سلام إلى معارضة تحديد مهلة زمنية لرئيس الحكومة المكلّف، يكمن في أنّ مرسوم التشكيل يصدر عن رئيس الجمهورية بالإتّفاق مع رئيس الحكومة المُكلّف.

فماذا لو أراد رئيس الجمهورية إسقاط التكليف، ورَفَضَ كل التشكيلات والتي قدّمها له الرئيس المُكلّف؟؟؟.

مما يعني، أنه ليس في الإمكان تقييد رئيس الحكومة المكلّف بمهلة زمنيّة، لإنجاز مهمّة، إنجازها غير متعلّق به بالإنفراد.

وما دام رئيس الجمهورية شريكاً في التشكيل، لا يُمكن إلزام فريق، وإبقاء الآخر مُحرّراً من أي قيد. وإلّا بات في إمكان أي رئيس جمهورية إسقاط أي تسمية تَصدُر عن مجلس النوّاب، لأيّ رئيس مكلّف، بتقَصُّد تمرير مهلة التكليف من دون تشكيل.

وفي الخُلاصة، نأمل أن يبزُغ فجر السنة الجديدة، مع ولادة حكومة عتيدة، تحمل الآمال والخَلاص للبنان، ولنُكرّر معاً قول جبران خليل جبران:

في قلب كل شتاء ربيع يختلج… ووراء نقاب كل ليل فجر يبتسم».