IMLebanon

كيف “سيفلت” لبنان من زجّه في “قيادة” المعركة ضدّ واشنطن؟

تعرب أوساطٌ واسعة الإطلاع في بيروت، عن خشيتها من حال «الانفصام» التي يعيشها لبنان الذي يبدو «منفصلاً عن الواقع» في ظلّ وضعٍ داخلي مشغول بما يشبه «الحفلة التنكرية» التي تحكم مسار تأليف حكومةٍ سياسية يُراد «تمويهها» بالاختصاصيين من ضمن ذهنيةٍ «إنكارية» لانهيار المرتكزات المالية – الاقتصادية – المصرفية – النقدية التي طبعتْ «وجْهَ» البلاد لعقود، فيما البُعْدُ الاقليمي للواقع المحلي يشي بأن بيروت دَخَلَتْ «ممر الفيلة» على وقْع المكاسَرة بين واشنطن وطهران التي اتخذتْ شكْلَها الأكثر تَفَجُّراً، والذي يُنْذِر بإمكان تفلُّتها من سقف «الحرب بالنقاط»، مع تجرؤ «النسر الأميركي» على «اصطياد» الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد.

وغداة ما بدا أنه تَسَلُّم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «راية» القيادة الميدانية لـ«محور المقاومة» وتسليمه «رايةَ الثأر» لاغتيال سليماني إلى «قوى المحور» عبر إطلاق معركة إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، بدا وكأن لبنان الرسمي والسياسي أشاحَ بنظرِه عن الأبعاد البالغة الخطورة لاندفاعةِ نصرالله وتحديده «بنك أهداف» عسكرياً من «قواعد وبوارج وضباط وجنود» (أميركيين) وصولاً إلى ربْط حزبه مباشرةً بـ«حلقة الردّ» على شطب قائد «فيلق القدس» عبر إعطائها «مفعولاً انتقامياً رجعياً» لعدد من كبار قادته الذين استهدفتْهم اسرائيل وآخِرهم عماد مغنية (2008 في سورية).

ورغم أن أمس الاثنين كان يومَ عطلةٍ في بيروت لمناسبة عيد الميلاد لدى الطوائف الأرمنية الأرثوذكسية، فإنّ إعلان نصرالله تموْضعه في «الصف الأمامي» بمواجهة واشنطن شكّل محور اهتمام من زاويتيْن، الأولى ذات صلة بالمدى «العملاني» الذي سيأخذه وساحاته وتداعياته على لبنان، والثانية تتصل بانعكاساته المحتملة على الواقع الحكومي.

ففي الشق الأوّل، تدافعتْ الأسئلةُ حول ارتدادات انطلاق المسار التنفيذي لـ«إعلان الحرب» على الوجود الأميركي في المنطقة، على الوضع الداخلي في ضوء التعاون العسكري الكبير بين الجيشين الأميركي واللبناني ووجود ضباط أميركيين في «بلاد الأرز»، كما في ظلّ حاجة بيروت المُلِحَّة للدعم الخارجي لتَلمُّس طريق الصعود من «القعْر» المالي – الاقتصادي، وسط تحذير من أنه في ضوء كلام نصرالله فإن أي استهدافٍ للأميركيين وفي ساحاتٍ تُعتبر «الظهْر التقليدي» لـ«بلاد الأرز» في إبقاء «مظلة الحماية» فوق رأسها سيعني كشْفاً كاملاً لها على شتّى المَخاطر وعلى «عصْفِ» المواجهة الأميركية – الإيرانية.
وفي موازاة هذه القراءة، لم تتوانَ بعض الدوائر عن اعتبار أن مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» ربما تكون في إطار «الحرب النفسية» تحت سقف حدود معروفةٍ لردّ محكومٍ بأن يأتي «مدوْزناً» بما يلاقي عدم رغبة لا إيران ولا الولايات المتحدة بـ«الحرب الكبرى» وربما بما يفتح الباب أمام تراجعاتٍ إما تعيد المواجهة إلى مستواها «البارد» او تذهب أبعد في اتجاه تسويات أو بداياتها.

أما في الزاوية الثانية، فقد عاد مسار تأليف الحكومة إلى دائرة الغموض بعد مؤشرات إلى اتجاه كان سائداً لإعلانها اليوم، وسط مناخٍ برز في الساعات الماضية وأوحى بأن اغتيال سليماني الذي وصَفَهُ نصرالله بأنه «تاريخٌ فاصِلٌ بين مرحلتين» سيفرض إعادة نظر في «بروفايل» الحكومة التي يعمل على تشكيلها الرئيس المكلف حسان دياب بما يلائم مقتضيات «مرحلة المواجهة» في المنطقة بمعنى التخلي عن صيغة «حكومة الظلّ» (من الاختصاصيين) التي تكون واجهة لحكومة «اللون الواحد» سياسياً (رافعتها تحالف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله وشريكه في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه بري) لمصلحة تشكيلةٍ سياسية مطعّمة بتكنوقراط.

وفي ضوء هاتين القراءتين، ترى الأوساط المطلعة أن الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتظهير إذا كان ثمة فعلاً قرار باستصدار تشكيلةٍ مدجَّجة بالرسائل «غير المشفّرة» للخارج حول قطْع لبنان آخر «الخيوط الرفيعة» مع المجتمعين العربي والدولي وما سيعنيه ذلك من عزْل البلاد وترْكها فريسة الانهيار الكبير، أم أن الأمر هو في إطار واحد من اثنين: إما تعبير عن الحاجة لشراء بعض الوقت ريثما تنْقشع الرؤية في متطلبات ما بعد اغتيال سليماني وترتيب أوراق الردّ و«حدوده» والردّ المحتمل عليه، وإما لتغطية الخلافات على الحصص التي برزت في الأيام الأخيرة.