IMLebanon

لجنة طوارئ إقتصادية

كتب فادي عبود في صحيفة “الجمهورية”:

إذا راقبت الأداء العام اليوم في عز أسوأ أزمة يشهدها لبنان تُدرك لماذا وصلنا الى هنا في المقام الأول، فالجميع غائب عن مسؤولياته، لا تصريف أعمال. هناك مسؤولون يقضون إجازاتهم، واتهامات متبادلة وولدنات بلغت حداً لا يطاق، في حين يتخبّط المواطن والصناعي والمصدّر، متروكون لمصيرهم في ظل غياب التنسيق وخطط الطوارىء أو حتى تقدير الخسائر.

إنّ الحل اليوم هو بتشكيل لجنة طوارئ اقتصادية يكون لديها الحق بالتدخل لإدارة الازمة الاقتصادية، والأهم لديها صلاحيات للتدخل والمطالبة وإصلاح الخلل، خصوصاً أنّ الازمة طويلة والحكومة الجديدة لن تجلب معها الحلول السحرية الفورية.

يحتاج لبنان في هذه الظروف الى تأليف لجنة طوارئ اقتصادية لمواكبة التطورات واقتراح آليّات لدعم التصدير وتشجيع الإنتاج المحلّي، فإلى من يلجأ الصناعي اليوم أو التاجر او الزراعي في العقبات التي يواجهها والتي تهدد عمله ولقمة عيشه؟

لجنة اختصاصيين يكون محور عملها إحصاء الاضرار واقتراح الخطوات المسهّلة وخَلق قناة تنسيق بين كافة الادارات والوزارات لاعتماد أفضل السبل من أجل تسهيل المرحلة وتخطّيها بأقل خسائر ممكنة. والأهم معالجة عوائق التصدير وجعل موضوع انخفاض الصادرات عنوان لجنة الطوارئ الجاد، من حيث العمل على إزالة الرسوم والضرائب والعوائق، ومحاولة إيجاد حلول للتصديرالبرّي.

ففي ظل الازمات، تلتفت الدول تحديداً الى قطاع التصدير القادر على إدخال النقد النادر الى البلاد، وقد تكون الازمة الراهنة أثبتت أهمية التصدير في اقتصادنا الوطني. فتلعب الصادرات دوراً مباشراً في معالجة الخلل في الميزان التجاري، وبالتالي ميزان المدفوعات، في اعتبارها أحد الموارد الرئيسية للنقد الأجنبي ممّا يؤثر مباشرة على التوازن المالي والاستقرار النقدي للعملة المحلية وأسعار الصرف. لذا، يجب خلق قاعدة جيدة لتنمية الصادرات، سواء السلعية أو الخدماتية منها، حتى يحقق قطاع التصدير الهدف المأمول منه في توليد فرص عمل جديدة ومعالجة عجز الميزان التجاري.

والأمثلة من الدول متعددة، وتُظهِر في وضوح كيف حرصت هذه الدول على الحفاظ على صادراتها في عز الازمات، مثلاً لقد قامت دولة قطر بخطوات اساسية عدة لمواجهة الحصار عبر تطوير المناطق الحرة، من خلال منح تسهيلات وحوافز جديدة للمستثمرين من شأنها فتح الباب أمام دخول رؤوس أموال إضافية إلى البلاد، وتمّ إدخال تعديلات على القانون الرقم 21 لعام 2017 شملت حوافز وتسهيلات عدة للمناطق الحرة. وعلى رغم من انّ قطر لم تعان أزمة مالية، بل مقاطعة، لكنّ المثل يظهر جديّة وسرعة الاجراءات في وقت استثنائي تمثل بالحصار.

امّا مصر فدعمت صادراتها بموازنة تبلغ 6 مليارات جنيه، وقامت بخطوات عديدة ضمن خطة طوارىء أهمها توفير المعلومات حول المناقصات الدولية، وتحديد الأسواق والمنتجات المستهدفة، وتقديم خدمات الدعم الفني والتدريب إلى جانب مساندة منظومة الشحن والمعارض الخارجية.

أما تركيا فقدّمت حزمة تمويل بقيمة 30 مليار ليرة (نحو 4.9 مليارات دولار) للمساعدة في إنقاذ بعض قطاعات التصدير، مثل الصناعات التحويلية، التي تضررت بشدة من أزمة العملة في العام الماضي.

في لبنان، نطلب تخفيف الاعباء على المصدّرين في هذه الازمة، مثل عوائق التصدير، التحويلات لشراء المواد الأولية أسوة بصناعة الدواء، براءة الذمة في الضمان الاجتماعي، ورسوم على التصدير وضريبة دخل على التصدير والمساعدة في المعارض الخارجية وغيرها من العوائق التي لا تزال قائمة وكأنّ البلد في أفضل حال.

الخطر اليوم يتمثّل في فقدان فرص عمل إضافية، ولذلك حرصت البلدان في وقت الازمات على حماية قطاعاتها الانتاجية من الإنهيار، لأنّ أي نمو في المستقبل سيكون مُرتكزاً على هذه القطاعات بالتحديد.

يقال انّ الأوضاع الاستثنائية تستوجب إجراءات استثنائية، أين نحن من هذا اليوم؟ الجميع يقف على الحياد، لا وضوح حول عمل المصارف والتحويلات، مصير الودائع، في تخلٍ واضح عن المسؤوليات وترك الشعب يواجه موظفي المصارف، من يُسائل اليوم هذه السياسات؟ من يقدم أجوبة حول ما اذا تمّت تحويلات بعد 17 تشرين الاول بقطع النظر عمّا اذا كانت تبييض اموال كما صَرّح سعادة الحاكم؟ فأيّ تحويل بعد 17 تشرين الأول حتى إذا كان قانونياً فهو حتماً لا أخلاقي. وألا يُعتبر ذلك كسراً لمفهوم المساواة وتفضيل مواطن على مواطن آخر؟

لفتتني تجربة ايسلاندا بعد انهيار نظامها المصرفي، الحالة مع لبنان ليست مشابهة إنما يمكن التعلّم من الاجراءات الاستثنائية. فبعد فشل المصارف الثلاثة الكبرى، استولَت عليها هيئة الرقابة المالية وقد تم إجبار هؤلاء على جعل المدقّقين يغوصون في كل حسابات البنوك والتحويلات ويعدّون تقريراً إلى هيئة الرقابة. كانوا ملزمين بتزويد الهيئة معلومات عن أي شيء مَشبوه. سمحت الحكومة الأيسلاندية لمصارفها الثلاثة الكبرى (كاوبثينج، جليتنير واندسبانكين) بالفشل وطاردت المصرفيين المخالفين. وتمّ سجن عدد من المسؤولين التنفيذيين الكبار وتقديم رئيس الوزراء السابق جير هاردي للمحاكمة، ليصبح بذلك أوّل مسؤول يواجه المحاكمة الجنائية الناجمة من الاضطرابات المالية، على رغم من أنه تمّت تبرئته لاحقاً من تهمة الإهمال. العبرة هنا هي قدرة الدولة على المساءلة والمحاسبة، بدلاً من التخلّي عن المسؤولية بهذا الشكل الفاضح.

كانت خطوة لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط النيابية جيدة عبر طرح فكرة قانون يعلن الطوارئ الاقتصاديّة، ويحدّد البنود التي يتطلّبها والخطوات التي تساهم في إنقاذ الاقتصاد اللبناني، ولكن من شبه المستحيل اليوم إقرار قانون وبعده مراسيم تنفيذية وما أدراكم ما المراسيم التنفيذية، قد يتطلّب تحقيق ذلك سنوات. المطلوب عودة الجميع الى ممارسة مسؤولياتهم وتأليف لجنة عبر قرار سياسي، واذا كان من المفيد الاستعانة بمؤسسات مالية دولية لإبعاد التسييس عن أي لجنة مقبلة، المهم التحرّك سريعاً لإيجاد خطوات فاعلة تواكب خسائر الاقتصاد اللبناني بمسؤولية.