IMLebanon

تموضع المصارف الجديد.. سياسة توائم مقتضيات المرحلة

قبل الحرب الاهلية، وتحديدًا في حقبتي الستينات ومطلع السبعينات، وبعدها في فترة إعادة الإعمار في التسعينات، عاش لبنان عصره الذهبي من الازدهار الاقتصادي واعتُمد كمركز مالي للشرق الأوسط يوازي أهم المراكز المصرفية في آسيا الغربية. شهد القطاع المصرفي في شكل خاص حالة غير مسبوقة من الازدهار والنمو رفعته إلى مصاف العالمية، خصوصا انه تميز بقوانين حفظ السرية الشبيهة بتلك المطبقة في أرقى دول العالم كسويسرا. هذا الواقع أنتج ازدهارا اقتصاديًا وسياحيًا وسياسيًا واجتماعيًا، إلى درجةأن قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار كانت قبل الحرب الاهلية 2,3 ليرة لبنانية، فتهافت المستثمرون على توظيف أموالهم في بيروت ولاسيما في فترة التسعينات مع ورشة إعادة الإعمار والازدهار وكانت المصارف آنذاك تشكل رافدًا أساسيًا لهذا الازدهار الذي دفع في اتجاهه الرئيس رفيق الحريري بالتعاون والتنسيق مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة.

إزاء هذه الحال من الرخاء الاقتصادي والمالي وسعيًا للتمثل بمركز سويسرا المصرفي والمالي الفريد في العالم، عمدت المصارف إلى اعتماد سياسة التوسع والتمدد في خيوط عنكبوتية إلى الخارج من دول الجوار إلى أوروبا، فافتتحت فروعًا لها في أكثر من دولة آمنت لها سيولة وافرة ومردودًا زاد من نسبة أرباحها لدرجة أن الكتلة النقدية المصرفية اللبنانية ضاهت تلك الموجودة في أغنى الدول العربية والخليجية.

غير أن النعمة الاقتصادية والمالية وعوض أن تستمر وتنمو لتنقل البلاد إلى أفضل حال، تلقت ضربات قاتلة متتالية من السياسة وأربابها، حينما قرر بعض الأطراف ولاحقًا كبار المسؤولين في البلاد التخلي عن الحياد الذي وفّر للبنان على مدى عقود نعمة الازدهار، بالانضمام إلى سياسة المحاور وإسقاط مبدأ النأي بالنفس الذي التزمته في النصوص فقط الحكومات المتعاقبة في حين تم خرقه عمليًا في سلسلة محطات ليس أقلها انخراط “حزب الله” المشارك في الحكومات المشار إليها في الحرب السورية وتمدده في اتجاه أكثر من دولة عربية من العراق وصولا إلى اليمن.

وعوض أن تواكب السياسة الاقتصاد والمال في نموهما وترفع البلاد إلى حيث يتمنى كل لبناني، انتهجت سياسة أسهمت في ضرب كل أسس النمو من خلال إمعانها في خرق النأي بالنفس والحياد، بحسب ما تقول مصادر سيادية لـ”المركزية” فدكّت هيكل الاقتصاد الصلب والقطاع المصرفي “المتألق” متجاوزة كل التحذيرات التي أطلقها القطاع من رأس الهرم إلى أسفله، وبيانات ومواقف الحاكم وجمعية المصارف منذ ثلاث سنوات دليل ساطع، غير آبهة بمصير لبنان واللبنانيين ما دام همّ القيمين عليها لا يتعدى بلوغ الكراسي والمناصب التي لم يملأوها الا بالشكل، بدليل بلوغ البلاد الحال التي تعانيها اليوم، وضع اقتصادي معدوم يواجه كل لحظة شبح الإفلاس بحسب تقرير صندوق النقد الدولي، ثورة شعبية واحتجاجات تملأ الشوارع وخبطات سياسية بين اهل البيت الواحد تعجز عن مجرد الاتفاق على تشكيل حكومة.

في ضوء السياسة الهمجية الرعناء، تضيف المصادر، اضطر القطاع المصرفي الذي القيت عليه تبعات “تخبيص أهل السلطة” في السنوات الثلاث الأخيرة، إلى اعتماد منهجية عمل جديدة تحد من الانهيار، ترتكز إلى تقليص التوسع الخارجي والعودة إلى الداخل عبر بيع فروعها في العالم وحصر رؤوس المال في الداخل من دون استبعاد فرضية دمج مصارف وبيع أخرى، من ضمن استراتيجية تحصّن القطاع تماشيًا مع مقتضيات المرحلة البالغة الحساسية، حتى حينما تستعيد الدولة عافيتها، إذا ما قرر حكامها منع الانهيار الشامل، يعود القطاع إلى نهضته من خلال وثبة جديدة تكفلها الطاقات الزاخرة والإمكانات المتوافرة بعيدًا من كل ما يشاع ويسرب لأغراض لم تعد غاياتها مجهولة.