IMLebanon

“الحزب” حوّل “المشكلة” إلى “فرصة”… وهذا ما فعله!

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

لم يشذّ تأليف حكومة حسان دياب عن «التجارب المُرّة» مع عملياتِ التشكيل في لبنان التي لطالما انطبعتْ بـ«مفاجآتِ ربع الساعة الأخير» التي كانت تعيد «عقارب الولادة» إلى ما وراء آخِر محاولاتِ تحسين الشروط وتحصين المواقع داخل التركيبة الوزارية.

ولكن ما يجعل اعتمادَ «اللعبة نفسها» مع حكومة دياب يكتسب دلالات «صادمة» أن الأمرَ يحصل على وقع غضبةِ شارعٍ لم يتراجع «نَفَسُه» الثوري منذ 17 أكتوبر ضدّ الطبقة السياسية وأدائها الذي حوّل المؤسسات «ركاماً»، وعلى «حطام» واقعٍ مالي – اقتصادي انزلَقَ إلى الانهيار «بلا كوابح».

وفي موازاة «تعليق» ولادة الحكومة على «حِبال» صراع الأحجام بين أطراف «تكليف اللون الواحد» (فريق رئيس الجمهورية ميشال عون و«حزب الله» وحركة «أمل» وحلفائهم)، بدا واضحاً أن ثمة مساراً ثلاثي البُعد بات يظلّل عملية التأليف – الذي مهما تأخّر فهو حاصل – وتتمثل خطوطه العريضة بـ:

* ازديادُ «كمّاشةِ» العقوباتِ الخارجية على «حزب الله»، حيث صنّفتْ وزارةُ الخزانة البريطانية الحزب بشقيه السياسي والعسكري «منظمة إرهابية» وأدرجتْه بالكامل تحت قانون تجميد أصول الجماعات الإرهابية للعام 2010 والذي وضعتْه واشنطن.

* تَسارُع وتيرة السقوط المالي الذي يُسابِق تدهور قيمة الليرة اللبنانية وما يتركه ذلك، معطوفاً على القيود الصارمة على السحوبات بالدولار (وبحدود أقل على الليرة) والتحويلات به إلى الخارج، من تداعيات اجتماعية بدأت تتدحرج في مختلف القطاعات وحتى المتصلة بـ«المواد الاستراتيجية»، وسط مخاوف دولية صار يجري التعبير عنها بوضوح من أن «مالية لبنان غير المستقرة ترجح ان يتخلّف البلد بطريقةٍ ما عن سداد ديونه» من دون استبعاد أن يعمد إلى «السيطرة على جزء من الودائع المصرفية للمدّخرين» كما حدث في قبرص، وفق ما أبلغ كبير محللي وكالة «فيتش» جيمس مكورماك إلى وكالة «رويترز».

* الخط الأحمر الدولي الذي أعيد رسْمه حول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ما بدا أنه «بطاقة صفراء» مبكّرة أمام مناخاتٍ تزداد مؤشراتُها حول وجود نية لإقصائه بعد تأليف الحكومة. علماً أنه بعد واشنطن التي لطالما اعتبرت سلامة «عنوان ثقة» في ما خص آلية تطبيق العقوبات على «حزب الله» وضمان التزام القطاع المصرفي بها، فإن الأمم المتحدة وعبر المنسّق يان كوبيتش لاقتْ ضمْناً هذا الدعم لحاكم «المركزي» باعتباره «الوحيد الذي يعمل على معالجة الأزمة القائمة في وقت لا يقوم السياسيّون بأي شيء».

وبإزاء هذا المشهد، ترسم أوساط سياسية مطلعة عبر «الراي» صورة «من فوق» غبار «المعارك الصغيرة» حول الملف الحكومي، لافتة إلى أنه «عشية» المئة يوم على الانتفاضة يمكن استنتاج أن «حزب الله»، الذي غالباً ما يتغنّى بقدرته على تحويل المشكلة إلى «فرصة»، نجح حتى الساعة بالاستفادة من الزخم الجماهيري للثورة لإحداث انقلابٍ كان يُعدّ له عشية الانتفاضة للإمساك بمفاصل الحُكْم بالتكافل والتضامن مع «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل، عبر تحوير الهبّة الشعبية بوجه خصومه وتحميل «الحريرية السياسية» والمصارف وسلامة مسؤولية ما آل إليه الواقع، مع تغييب الأكلاف الباهظة لاسترهان لبنان لمشروعه الإقليمي.

وتعتبر الأوساط أنه «ورغم أن الغضبة الشعبية فرضتْ ظاهراً جلوس (التحالف الثلاثي) الحاكِم في المَقاعد الخلفية لقيادة دفّة البلاد لمصلحة سياسيين مموَّهين في (حكومة الاختصاصيين)، فإن رصْداً يجري لما إذا كان هذا الأمر سيُقْنع المجتمع الدولي الذي تعوّد التعامل مع الأمر الواقع»، متسائلة «إذا كان لبنان مقْبلاً على مسارٍ يشبه مرحلة توزيع الأدوار داخل القيادة الإيرانية بين معتدلين ومتشدّدين قبيل الاتفاق النووي مع واشنطن على قاعدة (وجه) ناعم للمجتمع الدولي أتاح (قطْف) الاتفاق وآخَر (خشن) يدير اللعبة فعلياً، أم أن المدى الذي بلغتْه المواجهة الأميركية – الإيرانية حالياً لم يعد يحتمل (سيناريوهاتٍ زمن باراك اوباما)».

وفي رأي الأوساط أن «ثمة انطباعاً بأنه رغم أن حزب الله أُرْبك في الأيام الأولى من الثورة التي كانت تؤشر إلى نقْل المشهد اللبناني إلى مرحلةٍ متفلتة من كل قواعد اللعبة التي أرساها منذ 2005 عبر تطويعِ خصومه بشتى الوسائل ليبقى وهج السلاح ناظِماً خفيّاً لمجمل المشهد الداخلي، إلا أنه حتى الساعة أدار المرحلة بما ألحق الضرر بخصومه سياسياً بالدرجة الأولى، وهو ما يتْركُ علامات استفهام حول انعكاساته على التوازنات الداخلية بأبعادها الاقليمية مع انتقال (حلفاء إيران) إلى التحكّم بكل مفاصل المؤسسات، إلا إذا أكملتْ الثورة طريقَها وفرضتْ التغيير الشامل الذي سيصيب تلقائياً قبْضةَ الحزب على الإمرة السياسية».

ميدانياً، شهد وسط بيروت مواجهات عنيفة بعد ظهر أمس، بين المتظاهرين وقوات الأمن، التي هاجمها محتجون غاضبون بالحجارة وجذوع أشجار وأعمدة إشارات السير بشكل غير مسبوق، قبل أن تردّ بإطلاق خراطيم المياه والقنابل المسيّلة للدموع.

وانطلقت عند الثانية بعد الظهر (12,00 ت غ) مسيرات من نقاط عدة في بيروت تحت عنوان «لن ندفع الثمن»، احتجاجاً على التأخير في تشكيل حكومة تضع حداً للانهيار الاقتصادي. وقبل وصولها إلى وسط بيروت، حيث أقفلت قوات الأمن مدخلاً مؤدياً إلى مقر البرلمان بالعوائق الحديد، بادرت مجموعة محتجين إلى مهاجمة درع بشري من قوات مكافحة الشغب.

وأقدم هؤلاء، وفق مشاهد حية بثتها شاشات التلفزة المحلية، على رشق قوات الأمن بالحجارة ومستوعبات الزهور. كما عمد عدد منهم إلى اقتلاع أشجار فتيّة واشارات السير وعدادات الوقوف الآلي ومهاجمة عناصر الأمن مباشرة بها. كما كسروا لوحات اعلانية زجاجية.

واستخدم المتظاهرون أشعة الليزر الخضراء لمحاولة التأثير على رؤية وتركيز عناصر الأمن، الذين استخدموا بدورهم خراطيم المياه ومن ثمّ الغاز المسيّل للدموع لتفريق المحتجين.

وفي تغريدة على حسابها، ذكرت قوى الأمن الداخلي أنه «يجري التعرض بشكل عنيف ومباشر لعناصر مكافحة الشغب على أحد مداخل مجلس النواب، لذلك نطلب من المتظاهرين السلميين الإبتعاد من مكان أعمال الشغب حفاظاً على سلامتهم».

وتحدث الصليب الأحمر، عن 40 إصابة كحصيلة أولية، نُقلت إلى مستشفيات المنطقة، كما تمّ إسعاف 60 إصابة في المكان.

وفيما لم يكن عابراً كلام كوبيتش عن «أعمال شغب متلاعَب بها سياسياً»، فإن هذا الاحتقان الكبير لم يبدُ كافياً للائتلاف الحاكم للإسراع بتأليف حكومة فرْملها فعلياً شدّ حبال حول «الثلث المعطّل» بين أطراف «حكومة البيت الواحد»، وصولاً إلى وصْف الأوساط المطلعة كلام الرئيس المكلف، وربْطه الإصرار على رؤيته لحكومة الـ18 اختصاصياً بعدم إمكان القفز فوق مطالب الانتفاضة، بأنه أقرب إلى «معركة طواحين الهواء»، في ظل انكشاف أن ما يعرقل ولادة «تشكيلة الاختصاصيين» هو الخلاف السياسي والحزبي على الحصص والأوزان والتوازنات.