IMLebanon

ماذا خلف توفير “المستقبل” و”الاشتراكي” نصاب الموازنة؟

أما وأن موازنة الـ2020 عبرت ممر التحفظ البرلماني في جلسة “مُهرَبة” تصلح لوصفها كل تعابير الضعف والهزالة، جلسة “السبعة وذمتا” كما حلا لرئيس مجلس النواب تسميتها لكثرة ما عانى من اجل تأمين انعقادها مستخدما كل صلاحياته وعلاقاته واتصالاته السياسية والامنية، فإن ما يجدر التوقف عنده ليس اقرار الموازنة في حد ذاتها، على اهميتها، انما ما افرزته الجلسة على مستوى المشهد السياسي من توزيع للكتل النيابية على مستوى الحضور والمشاركة والتصويت.

مشهد قديم متجدد تظهّرَ بقوة في جلسة “العجائب الموازناتية” الاثنين. وإذا كانت مشاركة قوى السلطة الحاكمة التي شكلت الحكومة عن بُعد في الجلسة لتأمين النصاب وتوفير الاقرار شأنا منطقيا لا يحتاج الى تفسير او تحليل، فغير المنطقي تمثّل في طبيعة الكتل التي وفّرت النصاب لكنها صوتت ضد الموازنة، والاغرب ان هذه الكتل نفسها كانت خلف مشروع الموازنة اعدادا وإقرارا في حكومة “إلى العمل”، ولما تحولت “إلى الاستقالة” لم تصوت لها. ففيما قاطع حزبا الكتائب – المعارض أساسا – والقوات اللبنانية الذي عدل في اللحظة الاخيرة وتحت وطأة حراك الشارع عن المشاركة، بعدما كان سيحضر نوابه لإيصال رسالة مفادها انه يبدّي الثقة على الموازنة ثم الخروج من الجلسة، بحسب ما تفيد اوساطه “المركزية”، وبعدما تأخر انعقاد الجلسة البرلمانية لنحو ساعة بفعل عدم توفّر النصاب، حضر نواب كتلتي المستقبل واللقاء الديمقراطي فوفروا للجلسة النصاب وعلى بري “هزيمة” كان سيسددها الثوار في المرمى البرلماني لو لم تنعقد الجلسة، في تكرار لسيناريو 19 تشرين الثاني 2019، حينما منعوا الجلسة التشريعية من الانعقاد من خلال قطع الطرق المؤدية الى ساحة النجمة.

المستغرب في حضور هؤلاء انه اقتصر على النصاب وحجب الثقة عن الموازنة، فما الهدف وعلى اي خلفية اتخذ القرار؟ في قراءة لدلالات الخطوة الحريرية – الجنبلاطية، تقول أوساط سياسية لـ”المركزية” إن ثمة ثلاثة اطراف سياسية باتت راهنا في وضع مأزوم لم تعد تجد من سبيل لتحسين وتحصين وضعها سوى التحالف في ما بينها لقطع الطريق على مزيد من الانتكاسات، وذلك بإعادة ضخ الحياة في عروق ثلاثية بري – الحريري – جنبلاط.

تيار “المستقبل” الذي اقصى رئيسه سعد الحريري نفسه او أُقصي عن السلطة تحت ضغط الثورة، فاستقال في 29 تشرين الاول الماضي. هذا التيار يجد نفسه في واقع غير مريح اطلاقا. بيئته منتفضة في الشارع، تحالفه السياسي مع العهد والتيار الوطني الحر سقط، علاقاته العربية ليست في احسن حال، يتحاشى التصعيد مع حزب الله ويتجنب استفزازه بالعودة الى زمن التحالف السيادي. امام هذا المشهد المأزوم يلجأ “المستقبل” الى بري كحاضنة سياسية مريحة تبعد عنه شبح الفتنة السنية – الشيعية، وتمهّد لتعبيد طريق العودة الآمنة الى السلطة ولو بعد حين.

حركة “أمل” بشخص رئيسها نبيه بري الذي بدأ يشعر بحلول خريف زمنه السياسي مع تصاعد دور النائب جميل السيد في المفاوضات الحكومية، اضافة الى ما افرزته الانتخابات النيابية وما داخل بيئة حزب الله من وضعية شيعية متقدمة على بيئة “الحركة”، وانقطاع تواصله مع النظام السوري منذ اشهر، وابتعاده التام عن العهد وتياره وتأثير هذا الابتعاد على العلاقة مع الحزب. هذه المأزومية تشجع رئيس المجلس على الالتفاف حول حلفائه القدامى الذين يشكلون معه خط دفاع عن المواقع والمصالح.

الحزب التقدمي الاشتراكي وأولوية بيئته الدرزية التي تحتّم عليه الابتعاد بالقدر الممكن عن مناكفة حزب الله والاقتراب من بري والحريري لتوفير شبكة أمان تحصّنه في وجه التقلبات المتسارعة، بحيث يجد في “أكس” التحالف مع المستقبل وأمل عنصر الاطمئنان المنشود.

عند هذه التقاطعات، يتلاقى الافرقاء الثلاثة لوضع ادبيات جديدة في مواجهة المرحلة المقبلة بما يتخللها من تحديات واستحقاقات ليست الرئاسة بعيدة منها، لا بل في صلبها. وتعتبر الاوساط السياسية ان “الاكس” الثلاثي هذا اذا ما احسن ادارة اللعبة سيتمكن من فرض ايقاعه في المشهد الوطني، موضحة ان سيناريو جلسة الموازنة ما هو الا انعكاس للخطة الثلاثية الطويلة الامد، من هنا يمكن فهم اداء المستقبل والاشتراكي وتمرير الـ”باس” لبري.