IMLebanon

النائب الإقليمي لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: على الحكومات أن تمنع خطاب الكراهية

أكد النائب الإقليمي لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة  أولريك هالستين أن “واجب الحكومات منع بعض أشكال خطاب الكراهية ومنها الدعوة إلى الكراهية القومية والعرقية والدينية ونشر أفكار قائمة على التفوق العرقي أو الكراهية العنصرية. وفي الوقت نفسه، على الحكومات أن تضمن تطابق أي منع من هذا النوع، مع القيود المقبولة لحرية التعبير، وهي تلك التي تحفظ حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو تحفظ الأمن القومي للبلد وانتظامه العام”.

كلامه جاء خلال تنظّيم الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية (AGBU) الأربعاء، في مبنى عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدوليّة في الجامعة الأميركيّة- بيروت ندوة بعنوان “الإبادة الجماعية في ظل حرية التعبير وتنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأوصى بـ”اعتماد طرق أخرى غير الرقابة والحظر القانوني، منها التربية على التعددية والتنوّع، وتزويد الأحزاب السياسية ممثليها بقواعد توجيهية في شأن أخلاقيات مخاطبة الجمهور”.

وتحدث عن “إطار عمل حقوق الإنسان لمواجهة خطاب الكراهية”، فلاحظ أن “خطر الإبادة لا يزال قائمًا كما كان قبل 70 عامًا عندما أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة شرعة تجريم الإبادة”، مستدلًا على ذلك بما تعرّض له الروهينغا في ميانمار واليزيديون في العراق.

وذكّر بأن “الأمم المتحدة دقّت ناقوس الخطر العام الفائت إذ لاحظت زيادةً في قوّة خطاب الكراهية وانتشاره عالميًا، وأنه أصبح سائدًا في مختلف الأنظمة السياسية ويهدد القيم الديموقراطية والاستقرار الاجتماعي والسلام”.

وأشار إلى أن “هذه الزيادة في خطاب الكراهية مرتبطة بتوافر فرص استخدام وسائل تواصل جديدة تجعل الظاهرة أكثر تشعّبًا وتعقيدًا، إذ أن تعدّد منصات التواصل الاجتماعي يتيح انتشارًا أسرع وأوسع، مع إبقاء هويات الفاعل مجهولة، ويجعل هذا الخطاب عابرًا للحدود، مما يجعل سنّ قوانين في هذا الشأن أكثر صعوبة”.

وشدّد على أن “التشريعات المطلوبة تتطلب جهدًا ليس فقط من الحكومات، بل كذلك من الشركات الخاصة كفيسبوك وتويتر ويوتيوب”. لكنه أكد أن “العمل لمحاربة خطاب الكراهية يجب أن يحصل بطريقة لا تمسّ بحقوق الإنسان الأخرى، وخصوصاً الحريات العامة، كحرية التعبير والاجتماع”.

وختم: “لدى المسؤولين الرسميين والقادة الدينيين أو زعماء مختلف الفئات في المجتمع وكذلك وسائل الإعلام، مسؤولية خاصة في تعزيز ثقافة التسامح والاحترام المتبادل، ولكن يمكنهم في الوقت نفسه أن يكونوا عنصراً أساسياً في نشر خطاب الكراهية وإضفاء مشروعية عليه”.

وكانت كلمة لمدير “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين، رأى فيها أن “ثمة حاجة إلى المزيد من الأبحاث في شأن عمليات الإبادة، سعيًا إلى الإضاءة عليها وزيادة درجة الوعي في شأنها، تجنباً لتكرارها”. ولاحظ أن تكرار عمليات الإبادة يظهر أن “العالم لم يتعلم من التجارب السابقة في هذا المجال”. ورأى أن “الأخبار الملفّقة والمزوّرة والمبالغ فيها والبروباغندا تعمل على بناء ذاكرة مغلوطة للتأثير على المشاعر والسلوكيات”.

ولاحظ أن “خطاب الكراهية يعمّق الانقسامات والتوترات”، قال: “نحن ضد أي رقابة، لأن حرية التعبير هي اساس العمل الأكاديمي ونظامنا القيمي، ولكن المسألة لا تخضع لمنطق أبيض أو أسود، بل ثمة مساحات رمادية في هذا الشأن ينبغي توضيحها”.

وفي جلسة عن قدرة النظام الدولي على ضبط خطاب الكراهية والتحريض على الإبادة، تحدثت مديرة المركز الدولي لعلوم الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (أونيسكو) في جبيل، الدكتورة دارينا صليبا أبي شديد عن “استخدام خطاب الكراهية للتحريض على الإبادة، من زاوية القانون الجنائي الدولي”.

وشرحت أبي شديد تعريف خطاب الكراهية، وآثاره المباشرة وغير المباشرة. كذلك عرّفت بالتحريض على الإبادة وفق ما نصّت عليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الصادرة عام 1948، وتحدثت عن العناصر التي يتألف منها التحريض على الإبادة، والعقوبات التي يستتبعها، سواء من حيث نصوص القانون الدولي أو من حيث ما توصلت إليه المحاكم الدولية.

ورأت أن “المحاكمات الدولية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة لدول ورؤساء دول، عن جرائم إبادة، تعتبر محطة تاريخية في القانون الدولي، إذ أتاحت على الأقل ‘إحقاق الحق والعدالة، وهذا تقدّم كبير بالنسبة إلى ما كان قائماً حتى الآن”.

وفي المحور المتعلق بالعبر المستخلصة من تجارب اليمن ولبنان والعراق وأرمينيا في شأن حرية التعبير وخطاب الكراهية،  أقيمت حلقة نقاشية، تحدثت في مستهلها الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” آية المجذوب، فقالت: “إن القوانين المتعلقة بالتحريض والقدح والذم موجودة منذ بداية القرن العشرين، لكنّ استخدامها زاد بشكل مطّرد منذ الحراك المدني عام 2015، إذ أن الطبقة السياسية ردّت على الأفراد الذين وجهوا إليها اتهامات، وخصوصًا في ما يتعلق باالفساد، من خلال التقدم بشكاوى ضد هؤلاء الأفراد. ونقلت مجذوب عن مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي إنّه حقّق في 3599 شكوى قدح وذمّ خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني 2015 وأيّار 2019. وأبرزت تطوّر عدد الشكاوى من سنة إلى أخرى، إذ بلغ 331 في العام 2015، و755 في العام 2016،  و800 في العام 2017، في حين وصل الرقم إلى 1451 في 2018، بارتفاع قدره 81 في المئة عن العام السابق، و325 في المئة عن 2015”.

وأشارت إلى أن “القوانين المتعلقة بالتحريض والقدح والذم في لبنان مبهمة ولا تتطابق مع التزامات لبنان الدولية”، معددةً بعض الثغر فيها.

ودعت إلى تعديل المادة 317 من قانون العقوبات كونها مبهمة، لكي تصبح متناسبة لالتزامات لبنان بموجب القانون الدولي.

أما أليكسي توما من معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدوليّة ، فلاحظ أن “انتهاكات حرية التعبير زادت في المنطقة العربية بعد الربيع العربي، ولبنان يشهد الظاهرة عينها رغم أن حرية التعبير محمية بموجب المادة 13 من الدستور والتزام لبنان عددًا من المواثيق والاتفاقات الدولية”، مشيرًا  إلى “التوجه المتزايد منذ العام 2017 للتحقيق مع أفراد في ما يتعلق بحرية التعبير بناء على شكاوى من سياسيين ورجال دين”.

وأوصى توما “بإدخال إصلاحات على عدد من القوانين، تتمحور على صون حرية التعبير، ومنها مثلًا جعل القدح والذم مشمولين بالقانون المدني، وإيجاد تعريف أفضل لماهيتهما”. كذلك اقترح “تدريب القضاة على مسائل الانترنت وحرية التعبير لتعزيز أهليتهم للنظر في قضايا من هذا النوع”. ورأى ضرورة “تحديد نطاق عمل وصلاحيات الاجهزة الامنية المختصة بشكل أفضل، كمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية”.

وتحدثت الناشطة والصحافية الدكتورة سلمى الحاج عن تجربتها في تغطية حرب الموصل وتحريرها، وعن الإبادة التي تعرض لها الأيزيديون في جبال سنجار. ورأت الحاج أن “الإعلام، بما فيه وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد السلطة الرابعة في الزمن الراهن، بل بات السلطة الأولى”.

وأشارت إلى “الأهمية التي كان يوليها تنظيم “داعش” لما يسمّيه “الجهاد الإعلامي”، مبيّنة حجم  “ترسانته الإعلامية” المتعددة الوسائل واللغات”.

أما المؤرخ الدكتور رولف هوسفلد من متحف Potsdam Lepsius House الألماني المتخصص في الإبادة الأرمنية، فتحدث عن التحريض الذي رافق إبادة الأرمن، وعملية تبريرها وتحضير الرأي العام  لها، واستذكر وقائع تاريخية في هذا الإطار شارحاً أبعادّها.

وقالت الصحافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان اليمنية سامية الأغبري من منظمة “مراسلون بلا حدود”: “إن الخطاب التحريضي في اليمن ليس وليد اليوم وليس وليد الحرب الاهلية، إذ أن نبذ الآخر وتخوينه وتحقيره بدأ قبل الحرب”.

وأشارت إلى أن “المصطلحات التحقيرية والتخوينية والتحريضية أصبحت مألوفة في وسائل التواصل الاجتماعي”. ولاحظت أن “غالبية المثقفين اليمنيين، ومنهم صحافيون وناشطون ورجال دين وشخصيات معروفة يتولى بعضها مناصب عليا في الدولة، يشاركون في هذا الخطاب المثير للنعرات المناطقية والعنصرية والطائفية”.

وفي جلسة عن مدى الحاجة إلى مقاربة جديدة للتوفيق بين حرية التعبير وضرورة حظر التحريض على الكراهية والإبادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحدثت المختصة في السياسات العامة وحقوق الإنسان في “فيسبوك” شاهد الهندي، فقالت إن شبكة “فيسبوك” أصبح “منصة اساسية لحرية التعبير”.

وكشفت أن شركة “فيسبوك” تمكنت بين تموز وأيلول 2019 “من حذف 80 في المئة من المضمون الذي يصنف ضمن خطاب الكراهية، مستعينةً في ذلك بتقنيات الذكاء الاصطناعي”. وأوضحت أن “الذكاء الاصطناعي أساسي في حماية المستخدمين، فيما تعمل فيسبوك كذلك على تحسين قنوات التبليغ عن الانتهاكات”.

أما مدير المناصرة في جمعية “تبادل الإعلام الاجتماعي” (SMEX)  محمد نجم فاعتبر أن “المساحة المدنية على الانترنت تفتقر إلى التنظيم وتشهد تغيّرات يومًا بعد يوم”.

وأضاف: “بعد العام 2011 أقرّت في المنطقة العربية عشرات القوانين ذات الصلة بهذه المساحة، ولكن كلها في روحيتها تحمي الدولة وأعضاءها ، في حين أن الأفراد المستخدمين هم الضحايا”.

وأشار إلى أن “لبنان يفتقر إلى قانون لحماية الخصوصية”، موضحًا أن “القوانين المتوافرة تحمي الافراد من الشركات ولكن ليس من الدولة”. ورأى أن ثمة حاجة “إلى سياسات أفضل وشفافية أكبر من الشركات، وإلى توعية أكبر للمستخدمين”.

وألقت أرين غازاريان كلمة AGBU، مذكّرة فيها بأن الجمعية “تعمل منذ العام 2016 على مساندة الأمم المتحدة في إلقاء الضوء غلى قضايا التوعية في شأن الإبادة وحقوق الإنسان ودعم اللاجئين، وقد دابت فروعها في مختلف أنحاء العالم على تنظيم ندوات ومحاضرات تهدف إلى الإضاءة على هذا الموضوع، ليس  انطلاقاً من المآسي التي تعرّض لها الأرمن خلال تاريخهم فحسب، بل انطلاقًا من الأحداث الراهنة في العالم”.

وأملت في “أن تساهم هذه المحاضرات والندوات في تحقيق التعاون المنشود في هذه المجالات بين مختلف الجهات المعنية”، ومنها الحكومات والمنظمات الأهلية والمواطنون. وأشارت إلى أن AGBU التي تُعتبَر أكبر جمعية خيرية أرمنية في العالم، “مستمرّة، منذ تأسيسها قبل 114 عامًا، في إقامة  الحوارات وتنظيم البرامج الهادفة إلى دعم الأمّة الأرمنية في كل أنحاء العالم، من خلال مبادرات تنموية، ثقافية ، تعليمية ، إنسانية واقتصادية-اجتماعية”.

وهذه الندوة هي الثالثة للجمعية بالتعاون مع معهد عصام فارس بعد ندوتين  بمناسبة “اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية وتكريمهم ومنع هذه الجريمة” أقيمتا عامي 2017  و2018.