IMLebanon

“الثورة” لم تبدأ بعد؟!

كتب طارق ترشيشي في صحيفة الجمهورية:

سيناريوهان متناقضان يتجاذبان الاوضاع اللبنانية في هذه المرحلة بعد تأليف الحكومة الجديدة التي تستعد لإنجاز بيانها الوزاري والمثول به امام مجلس النواب لنيل الثقة الاسبوع المقبل على الأرجح.

– السيناريو الاول، متفائل، يتوقع لحكومة الرئيس حسان دياب النجاح في مهماتها، أقلّه في وقف مسار الانهيار الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد. ويستند اصحاب هذا السيناريو في تفاؤلهم، الى انّ الحكومة تحوطها تهدئة على جبهة مواقف الدول الغربية، التي وصفتها للوهلة الاولى بأنّها «حكومة اللون الواحد»، او «حكومة حزب الله»، يقابلها دعم تحظى به من الشرق، أي من المحور السوري ـ الايراني وبعض دول الخليج ولا سيما منها قطر والكويت. وإذ يُجري اصحاب هذا السيناريو جردة بالربح والخسارة لمختلف القوى السياسية منذ انطلاق الحراك في 17 تشرين الاول الماضي وصولاً الى الآن، فيقولون انّ من لم يربح ولم يخسر هم من دعموا الحراك، وانّ من خسروا هم من وقفوا ضده، ولكن الخاسر الاكبر هو رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي «انهى عهده بمقابلة غير موفقة مع قناة «سي. ام.بي.سي»، وانّ الرابح الاكبر هو دياب نفسه، ثم سوريا التي تتوقع للحكومة الجديدة ان تطبّع العلاقات معها. ويضيف هؤلاء: «بعد وقت قصير من التكليف سكت الاعتراض على دياب في البيئة السنّية، ولا يُنتظر ان ينزل أحد الى الشارع ليقفل الطرق احتجاجاً على تولّي دياب رئاسة الحكومة، بل على العكس فإنّ الجميع سيأتون اليه بعد نيل حكومته الثقة طالبين الخدمات منه».

اكثر من ذلك، يقول اصحاب هذا السيناريو ايضاً، «انّ الخاسر الأكبر هو من جاء بدياب معتقداً انّه «العصفور وخيطو» فإذ بدياب «بيطلع عصفور وبلا خيطو»، ويتبيّن انّه يملك بعض عناصر القوة، ويُرجّح ان يأتي البيان الوزاري لحكومته هادئاً وان ينال الثقة النيابية «بسلاسة». كذلك يشير هؤلاء الى «انّ الحراك الشعبي انتهى لأنّه حقق اهدافه، بدليل الاشخاص الذين تمّ توزيرهم، وان كانت غالبيتهم قد تمّ تعيينهم بإرادة بعض القوى السياسية، إذ ما كانوا من حيث نوعياتهم والمواصفات ليوزروا، لولا ضغط الحراك في الشارع الذي فرض معادلات جديدة في تأليف الحكومات».

وفيما تحوم حول الحكومة «شبهة» التطبيع مع سوريا، إذا جاز التعبير، يلاحظ صمت خليجي إزاءها، في الوقت الذي يدور في الكواليس كلام كثير من انّ هذا التطبيع مع سوريا سينسحب على الدول الخليجية في لحظة عربية واقليمية ما، وعندها «أما بنعمة ربك فحدّث»… على حد قول مرجع سياسي، يتوقع ان تسير الامور خليجياً في اتجاه التضييق أكثر فأكثر على حلفاء ايران واصدقائها، في مقابل انفتاح ملحوظ على سوريا، يبدو انه مُهِّد له بمجموعة من الخطوات التي توجّه الانظار الى القمة الدورية العربية في الربيع المقبل.

– السيناريو الثاني، متشائم، ينطلق اصحابه من التوقعات التي يُطلقها بعض القيادات السياسية، والتي تحدّد عمر الحكومة بثلاثة الى اربعة اشهر، وهو ما اشار اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ايام، ودفع كثيرين الى تحليل ابعاده والخلفيات، في الوقت الذي لم تنل الحكومة ثقة المجلس النيابي بعد. المتشائمون يستبعدون نجاح حكومة دياب لأنّها «حكومة اللون الواحد»، وانّ المجتمع الدولي لن يمنحها الثقة والدعم، وسيصوّب على القوى السياسية التي انتجتها وعلى رأسها «حزب الله»، حيث يدور في بعض الكواليس الديبلوماسية كلام عن انّ الدول الغربية، ولا سيما منها الاوروبية، تتجّه الى فرض عقوبات عليه وعلى اصدقائه، وإعادة النظر في موقفها الفاصل بين جناحيه العسكري والسياسي. وانّ بريطانيا كانت اولى المبادرين أخيراً في هذا الاتجاه، ويدور كلام عن انّ دولاً اوروبية اخرى ستلحقها في هذا التوجّه.

وتأسيساً على هذه النظرة الغربية الى الحكومة، معطوفة على نظرة مشابهة لدول عربية وخليجية تحديداً، يتوقع اصحاب هذا السيناريو المتشائم ان يذهب الوضع اللبناني الى مزيد من التأزّم سياسياً واقتصاديا ومالياً، وان يتصاعد الحراك الشعبي في الشارع اكثر فأكثر في قابل الاسابيع والاشهر المقبلة.

وفي هذا السياق، يؤكّد ديبلوماسيون «انّ الثورة في لبنان لم تبدأ بعد، وان ما حصل ويحصل حتى الآن هو بمثابة مقدّمات لـ»الثورة الكبرى» الآتية، حيث انّ الآتي من الايام والاسابيع والاشهر سيشهد مزيداً من الحراك في الشارع خصوصاً اذا فشلت حكومة دياب في مهمتها الإنقاذية وفي كسب ثقة المجتمعين العربي والدولي».

ويقول هؤلاء الديبلوماسيون، «انّ حكومة دياب موضوعة الآن تحت مجهر التحليل لاستنباط ابعادها والخلفيات من جهة، وتحت الاختبار من جهة ثانية، في الوقت الذي بدأت عواصم كثيرة عربية ودولية تتردّد في القيام بأي مبادرات سياسية ومالية لدعم لبنان. وذلك على وقع المواجهة الاميركية ـ الايرانية التي بدأت باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، وما تلاها من هجوم صاروخي ايراني على قاعدة «عين الاسد» الاميركية في العراق، ولم تنتهِ فصولاً بعد. إذ يؤكّد هؤلاء الديبلوماسيون انّ لدى كل من الجانبين «بنك اهداف» في ساحة الآخر، ما يعني انّ المرحلة المقبلة ستكون عاصفة على مستوى الوضع في المنطقة عموماً».

ويشير الديبلوماسيون ايضاً، الى انّ مجموعة من الدول العربية والاوروبية بدأت التحرّك على طريقها لـ «تنقية» الحراك من بعض العناصر التي تحاول حرفه عن اهدافه، عبر شن حملات شخصية على عدد من المرجعيات السياسية الوازنة، والتي يعوّل عليها ان تكون ضابطة إيقاع الوضع الجديد الذي سينشأ في حال فشل حكومة دياب.

ويعتقد الديبلوماسيون، انّ الوضع اللبناني المقبل على مزيد من التطورات المختلفة الاشكال والالوان سياسياً واقتصادياً ومالياً، وربما امنياً، ستُطلق في اتجاهه مبادرات داخلية وخارجية كثيرة، تتوّج بالنهاية في مبادرة تتولاها دولة إقليمية مؤثرة في المنطقة، وتكون غايتها لمّ الشمل اللبناني على كل المستويات، وتأتي تتويجاً لمعالجات تكون قد انتجتها تلك «المبادرة المؤثرة».