IMLebanon

على لبنان أن يواجه “صفقة القرن” بالابتعاد عن لعبة المحاور

ترصد المراجع الديبلوماسية سلسلة المواقف مما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من واشنطن الثلثاء الماضي حول ما سمي بـ”صفقة القرن” وإلى جانبه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو. وتقرأ، عبر “المركزية”، في ردات الفعل الأولية بعض الانتقادات المبنية على خرق ما هو مطروح لمجموعة من الاتفاقيات والتفاهمات الدولية والإقليمية، ومنها تلك المتصلة بما آل اليه الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي الذي قاده الرئيس الفلسطيني مؤسس السلطة الفلسطينية الرئيس الراحل ياسر عرفات والحكومة الإسرائيلية.

وقبل تفصيل الخروقات للتفاهمات الخاصة بالسلطة الفلسطينية، تجدر الإشارة الى ان المواقف التي عبرت عن ردة الفعل الأممية، ترددت في اعطاء اي توصيف لصفقة القرن. لكنها في الوقت عينه رفضت اعطاءها اي غطاء شرعي  بعدما اعتبرت انها خطوة من جانب واحد تناقض كل ما نصت عليه التفاهمات الخاصة بالأمم المتحدة، لاسيما مبدأ “قيام الدولتين” الذي ما زالت المؤسسة الاممية تتمسك به معطوفا على حق العودة المكرس بالقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الى هذه الملاحظات، يتوقف المراقبون امام خروج الصفقة عما آلت اليه اتفاقية اوسلو الأولى التي تم توقيعها في 13 ايلول 1993 بعد عامين من المفاوضات في مدينة اوسلو النروجية والتي عدّت أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون والتي سميت بإسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، وهي التي قادت لاحقا الى الاتفاق في ما عرف بمؤتمر مدريد.

وإن لم تتوصل الاتفاقية الى ما يمكن اعتباره قيام “الدولة الفلسطينية المستقلة بكامل مقوماتها” فقد نص إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية، أصبحت تعرف في ما بعد بـ”السلطة الوطنية الفلسطينية”، وقيام مجلس تشريعي منتخب في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.

ولم تتوقف التفاهمات بين السلطة وإسرائيل عند ما قالت به هذه المبادئ الأساسية، التي دفعت بإسرائيل على لسان رئيس وزرائها آنذاك اسحق رابين الى تأكيد الاعتراف للمرة الأولى منذ نشوئها بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها “الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني”. وبناء على ما تقدم فقد تبعتها اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات مثل “اتفاق غزة – اريحا” و”بروتوكول باريس الاقتصادي” التي تم ضمها إلى معاهدة إضافية سميت بـ”أوسلو 2″ والتي تم التوصل اليها بعد مفاوضات “طابا المصرية” الموقعة في 28 ايلول 1995 .

والى هذه الملاحظات، لم تختلف ردات الفعل التي عبرت عنها الدول الأوروبية والأفريقية كافة ومعها موسكو ودول العالم من شرق آسيا الى غربها عن الأممية منها، فلم تسبغ على الصفقة اي شرعية لا بل أدانتها. وتفردت موسكو بإعلان أنها لم تتلق من الطرفين ما يشير الى اي من تفاصيلها او الآلية التي قادت اليها كما بالنسبة الى النتائج المترتبة عليها.

اما الدول العربية فقد فرزت بين موقفين، الاول مرحِب دعا الى تجديد الحوار بين السلطة واسرائيل كما قالت الدول الثلاث التي شاركت في حفل اعلان الصفقة وهي الامارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان، ولم يأت الموقف المصري الداعي إلى الحوار بجديد فهو وسيط شبه اسبوعي بين السلطة وحماس وتل ابيب في ما أدانت الدول الأخرى الصفقة من كل جوانبها على خلفية الحد الأدنى المتوفر من التضامن العربي خلف الموقف الفلسطيني الرافض بكل مكوناته السياسية والحزبية.

وتأسيسا على ما تقدم، نقل زوار العاصمة الأميركية الذين عادوا منها قبل ايام قليلة موقفا اميركيا متشددا من الصفقة، يشير الى ان ما نشر عنها كاف للتدليل الى رؤيتها للحل النهائي والشامل للأزمة الناشئة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية بعدما اختلت بعض التفاهمات وجمد الكثير منها عدا عن تلك التي بقيت حبرا على ورق.

وقال الزوار ان المسؤولين الأميركيين كانوا واضحين عندما ابلغوا زوارهم انهم ينتظرون الملاحظات التي لدى البعض وتحديدا ممن يعتبرون انفسهم معنيين بالأزمة والصفقة، وما عليهم سوى إبداء رأيهم وتقديم ما يمكن اعتباره تعديلا على بعض بنودها، على رغم الصعوبات بإمكان تعديل اي من عناوينها الأساسية.

والى الموقف المتشدد، عبرت واشنطن امام زوراها عن القلق الذي ساورها في ظل اجواء الرفض المطلق لما طرح في اطار الصفقة من عملية ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد على اسس من التفاهم والتعاون بين الدول لتجاوز مآسي الماضي، وذكّرتهم بأن رفض الاتفاقيات السابقة ادى الى الخلل الذي يشكو منه العرب وداعمو القضية الفلسطينية. فكل ما رفض منها قبل عقود وخصوصا تلك التي رافقت ولادة الأزمة قبل خمسة عقود ونصف عاد ليشكل مطلبا اساسيا لدى هؤلاء ومن الأفضل عدم تكرار هذا الخطأ اليوم.

وعليه، فَهم زوار واشنطن ان على لبنان ان يواجه الاستحقاق المتوقع بكثير من الابتعاد عن لعبة المحاور الكبرى التي لا دخل له بما يستخدم خلالها من قدرات واسلحة اقتصادية ومالية وديبلوماسية، والا سيصبح واحدا من ضحاياها. فالأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية تحديدا التي يعيش فصولا منها قد تكون مقدمة لما هو أسوأ، إن لم يعد اللبنانيون من الخارج ويوقفوا كل اشكال التدخل في الأنظمة والدول المجاورة، وهو ما لم يدركه البعض من المسؤولين حتى اليوم.