IMLebanon

ويتحدّثون عن “السّمعة”!

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

ندفع أو لا ندفع إستحقاق آذار من سندات “اليوروبوندز”؟ إنها ليست لعبة قمر “المارغريت”، بل هي قضية مبدئية ومفاضلة حقيقية بين مصالح الدائنين من جهة وحق اللبنانيّين في الحصول على أبسط مقوّمات العيش من مواد غذائية وأدوية من جهة أخرى.

على بُعد أيام قليلة من موعد دفع لبنان مبلغ 1.2 مليار دولار لحملة سندات “اليوروبوندز” من أصل استحقاق دفعات تصل إلى 3.5 مليارات دولار التي تستحق بحلول شهر تموز المقبل، يبدو الإتجاه العام هو لعدم التخلّف، أما الحجّة فهي المحافظة على سمعة لبنان في الخارج.

في التبرير المنطقي لضرورة التخلّف عن السداد سنذهب أبعد من سوء سمعة لبنان الحاصل أساساً، بعدما تم وضعه من قِبل أكبر ثلاث وكالات تصنيف دولية في مرتبة SD أو “selective default”، وإصرار الدول المانحة على عدم مساعدته نتيجة غياب الثقة في مسؤوليه وفشلهم في تنفيذ أي إصلاحات… وسنتوجّه مباشرة إلى ما أورده تقرير “بلومبرغ” عن ان “بعض أصحاب السندات الأجنبية عبّروا عن دعمهم لإعادة هيكلة ديون الحكومة”. وممّا جاء في التقرير الذي نُشر حديثاً أنه “في اجتماع خاص قبل أيام مع ممثّلي الحكومة، قال عدد من الصناديق الأجنبية التي تمتلك سندات سيادية لبنانية، أن الدولة التي مزّقتها الأزمة ستكون أفضل حالاً بإعادة الهيكلة بدلاً من سداد ديونها. وأن السندات اللبنانية قد تمّ خصمها بالفعل على ميزانيات مؤسساتهم العمومية”.

يمتلك المقرضون المحليون، أي المصارف التجارية، النسبة الأكبر من “اليوروبوندز”، ومن مصلحتهم قيام الدولة بعملية السداد من أجل تجنّب تفجير فجوة في ميزانياتهم العمومية. وقد ترضى المصارف رغم تزايد عمليات بيعها لما تحمله من سندات إلى الخارج بأسعار متهاوية، بمبادلة سندات آذار بصكوك طويلة الأجل وإلتزام الدفع للدائنين الأجانب.

يُشكّل الدين العام اللبناني وفق المعطيات الرسمية حوالى 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا احتُسب GDP على أساس 59 ملياراً، فيما الواقع ان الناتج لا يتجاوز الـ 50 مليار دولار، وعليه فان نسبة الديون اليوم تصل الى حدود 178 في المئة من الناتج المحلي، وهو الرقم الاعلى في العام والأخطر، وهو مرشح للزيادة إلى حدود 200 في المئة في المستقبل القريب.

هذا الواقع يفتح الباب على سؤال محوري وهو: “هل تستطيع الدولة الإستمرار في دفع الديون المترتبة عليها في المراحل المقبلة من هذا العام وفي الأعوام التي تليه في حال دَفعت إستحقاق آذار؟” يسأل المستثمر في الأسواق المالية الناشئة صائب الزين، ويجيب بأن “لا مفرّ من إعادة الهيكلة “RESTRUCTURING” فالدين اللبناني غير مستدام ومن المستحيل تحمّله، كما ان الخسائر ستتعاظم مع تأخير الحلول نتيجة استمرار التدنّي المتواصل بأسعار المنتجات المالية وإرتفاع معدلات شراء المستثمرين الدوليين لهذه السندات أو الصكوك من الجهات المحلية التي تعمد إلى بيعها للحصول على السيولة. وهذا ما يعقّد أي عملية إعادة هيكلة في المستقبل”.

فقدان الدين العام اللبناني لعنصر الإستدامة قد يكون الأساس إنما هناك أيضاً عامل المحافظة على ما تبقّى من دولار من أجل تأمين حاجات لبنان الاساسية لأطول فترة ممكنة.

وبرأي الزين فإن “ما يجري في لبنان هو قلب المعادلة التي تقسّم أولوية دفع الديون، حيث يحتل المودعون الاولية ومن بعدهم حمَلة الأسهم والسندات غير الآمنة كالدولة اللبنانية وفي الآخر يأتي حمَلة الأسهم. أما الذي يجري في لبنان فهو تحميل المودعين الخسائر على حساب المحترفين من حمَلة الأسهم والسندات”. إنطلاقاً ممّا تقدّم يظهر ان عملية إعادة الهيكلة يجب ان تتضمّن خطة إقتصادية شاملة وأن تتمّ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات الدولية لإضفاء المصداقية، خصوصاً ان استنزاف الموارد المالية المتبقّية وعدم الإعتراف بالمشكلة والخروج بالحلول المنطقية يُضرّ بسمعة لبنان أكثر بكثير من التخلّف عن سداد الديون. إعادة الهيكلة المفروضة، تُحتّم على المعنيين الإستعانة بأسرع وقت ممكن بالخبراء الماليين والقانونيين العالميين، لوقف التكهن والركون إلى الإجابات الشافية. إلا ان هذه العملية يبقى دونها تحدٍّ كبير يتمثل بقدرة السياسيين على الإلتزام بالخطة الموضوعة. إلا انه بحسب الزين فإن “الأمل يبقى في ديناميكية الشارع وما يمثّله من ضغط على المعنيين من أجل الإصلاح”.