IMLebanon

الى الحويك المُكرّم: أين لبنان الموارنة؟

كتب د. أنطوان صفير في “الجمهورية”:

سيّدنا مار الياس الحويك،

في عيد ما مارون، نَسترجع تاريخاً عابقاً من بطولات الفضائل وسِير القداسة السائرة من الأرض لتعانق السماء.

وفي عيده نستعيد أُمثولاته، وشهادات من مرّوا على هذه الأرض وطبعوا التاريخ، وشكلّوا التجسّد الآخر في رحلة إنتماء الأرض والإنسان الى خالقهما في تواصل عمودي لا ينقطع.

وفي تذكاره المقدّس، نستذكر شعباً حمل إسمه بقيمٍ عالية وواجه كل تعدٍ على الأغليين: إيمانٌ وحرية.

فشهدَ وإِستشهدَ وأزهرت نضالاته حصناً للحرّية هو لبنان الكبير،

لبنانك الكبير، أردتموه واحة التعددية ونطاق التواصل بين شرقٍ وغرب ورسالة الحوار الإنساني بين أديانٍ ومعتقدات.

وبعد مئة عام، أضحت التعددية رازحة تحت أخطار الشمولية والتعصّب.

أمّا التواصل فقد إنقطع بعدما ورثنا نزاعات أهل السياسة، ليس على تكبير رسالة لبنان بل على تصغيرها حتى تتراجع الى مستوى طموحاتهم المحدودة،

وغاياتهم السخيفة، وممارساتهم الضالة، ومصالحهم الضيّقة.

ورسالة الحوار بين الأديان وللأسف، لم تُزهر كما يجب، تعاوناً في سبيل دولة الحق والسيادة، بل تقوقع البعض وأضحوا أسرى أفكارهم الحاقدة التي تختزل كل آخر.

سيدي الحويك الكبير،

أراك من عليائك تشع من مثواك في عبرين، لتُطلق إنذاراً تلو إنذار، عَلَّ أهل السياسة يعودون الى الجذور، فيمتنعون عن المغامرة بمصير شعب، وعن المقامرة بجيلٍ ثالثٍ، بعدما دفع جيلان ثمن الخطايا والأخطاء.أراكَ من حيث أنتَ وبكل هيبة القامة والمقام، ترفع الصوت الى أهل الروح فيعيدون ما أنقطع من ثقة بينهم وبين ناسهم، إذ لا قوة لكنيسةٍ إلاَّ بشعبها الحرّ الذي يعيش حياةً كريمة. والمواعظ الفارغة تأكل الوقت ولا نفع منها، إن لم تداوِ صرخات القلوب والضمائر، ولم تحدّد الخيارات والمسارات.

حصّلتم لبنان الكبير من دون ركونٍ الى لعبةِ الأعداد، وتبنيتم مع كل مسيحي ومسلم رفع يد كل غريب عنَّا.

وعوض أن نعاين وطناً حراً حيث لمواطنه كرامة، ولأرضه سيادة، تآكلتنا بعض اللامركزيات المتنافرة، فقُسِّمت النفوس وتوزّعت الثروات على حفنة من العائلات والأزلام بإسم الطوائف والأحزاب، وقيمها منهم براء.

وشعبك التائق الى الحرّية…. شبابه برسم الهجرة المستنزِفة، وأدمغته ممنوعة إن لم تركع أمام معلمي الأرض، ممن نُصِّبوا علينا قادة رأي وقرار، والجدل عندهم ممنوع والرأي الآخر غير مرحّب به.

مسألة لبنانكم الكبير أصبحت مضرب الأمثال كرسالة أولاً، وبعد حين من العقود بحكم ما اعتراها من عوراتٍ خلال عقود وحتى اليوم.

فنُهِب المال العام والخاص، وانحدرت الخطب، رغم انّ نضالكم كان راقياً ضحّى بالذات وبكل غالٍ من اجل لبنان والإنسان. وأنتم، الثاني والسبعون، مَن جئتم تتوّجون مسار الأحد والسبعين الذين سبقوكم، ومع الذين أكملوا المسيرة من بعدكم ، من البطريرك عريضة أبو الفقراء وصاحب الرؤية الاقتصادية الى تاج الغائبين مار نصرالله صفير الذي «قال ما قاله»، وغاب ليصبح الأكثر حضوراً في ضميرنا والكيان.

أمَّا كنيستنا، فمدعّوة الى المصالحة والمصارحة مع ذاتها، فروح السلطة الزمنية التي تسيطر على بعض رجالها لا تتآلف مع روح الإنجيل وسِير الصدّيقين والقديسين.

والخيارات واضحة:

لا تزاوج بين الكنيسة وعالم المال والأعمال…

ولا مواربة. ولا تناغم بين الكنيسة وأهل السلطات الجائرة…

ولا مفاضلة. ولا تحابٍ بين أهل الروح وتجّار الهيكل… ولا خيار.

قدس المكرّم،

أنتم السائرون في مسارات القداسة، صلّوا لكي يرتقي وطن الموارنة، لا بل وطن الإسلام والمسيحية، قيم تفاعل وتواصل وإنتاج رسالي مثالي نحو غاياته السامية، علّنا في لبنان نكون رُسُلاً على قدر الرسالة، لا منتحلي صفة في زمن يحتاج الى قادة فيهم صلابة النسّاك وترفُّع المُرسَلين وعزيمة الأبطال.