IMLebanon

“الجمهورية” تكشف شوائب خطة الكهرباء

كتبت ايفا أبي حيدر في الجمهورية:

إختارت الحكومة السير على خطى الحكومة القديمة رغم إسقاطها رفضاً لنهج عملها. وجاء الاصرار على السير في خطة الكهرباء كما أقرّتها حكومة الحريري في العام 2019 رغم شوائبها، بمثابة استكمال لنهج غير ناجح. والسؤال لماذا هذا الاصرار اذا كان في الامكان تبنّي خطة نصحَ بها خبراء الاتحاد الاوروبي لتوفير مليار دولار، وتأمين الكهرباء 24 ساعة في خلال 15 شهراً؟

بعدما قرّر مجلس الوزراء الجديد برئاسة حسان دياب تعويم خطة الكهرباء التي أقرّت في العام 2019، بحيث وردت في البيان الوزاري كما هي من دون أي تعديلات، لا يزال يتكشّف المزيد من الشوائب التي تعتريها. والحكومة التي صدّقت على خطة الكهرباء كما هي، أغفلت ربما عن قصد او عن غير قصد، انّ هذه الخطة لا تزال عالقة في ادارة المناقصات، نظراً للمخالفات التقنية والقانونية التي تتضمّنها.

 

وفي خفايا الملف، يتّضح انّ مراسلات عدة جرت في الاشهر الماضية بين ادارة المناقصات ووزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني، استندت فيها ادارة المناقصات الى تقرير يعود الى فريق من خبراء الاتحاد الاوروبي لتبدي ملاحظاتها. وينتقد الخبراء مجموعة نقاط تضمنها دفتر الشروط. ولعلّ أبرز ما يدعو اليه هؤلاء الخبراء هو الاستغناء عن الحل المؤقت في خطة الكهرباء نظراً لكلفته المرتفعة وفائدته المحدودة في مقابل تسريع العمل في الحل الدائم، ليحقق ذلك وفراً مقدّراً بنحو مليار دولار وتأمين الكهرباء خلال 15 شهراً.

 

الّا انّ وزارة الطاقة ردّت على ادارة المناقصة في كتاب بتاريخ 9 كانون الاول 2019، أكدت فيه على وجوب إجراء المناقصة من خلال ادارة المناقصات وتقييم العروض وفقاً للأصول من قبل ادارة المناقصات والخبراء الذين تسمّيهم وزارة الطاقة والمياه. وتسلّحت وزيرة الطاقة والمياه بالقرار رقم 1 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 21 تشرين الاول 2019، وهو ما يعرف بالورقة الاصلاحية التي أطلقها رئيس الحكومة سعد الحريري قبل استقالته، والتي تنصّ في البند 16 على الاسراع في إبرام عقود بناء معامل دائمة ومؤقته وشراء الطاقة في الزهراني وسلعاتا ودير عمار وجب جنين والجية، وذلك باعتماد الاجراءات التالية:

 

– الموافقة على دفتر الشروط المعدّ من قبل وزارة الطاقة وفق التعديلات التي أبدتها اللجنة الوزارية المشكّلة لهذه الغاية والموافق عليها من قبل وزارة الطاقة والمياه.

– إجراء المناقصة من خلال ادارة المناقصات والموافقة على تقصير المهل ومنح العارضين مهلة أقصاها 15/1/2020 لتقديم العروض.

– تقييم العروض وفقاً للاصول من قبل ادارة المناقصات والخبراء الذين تسمّيهم وزارة الطاقة والمياه في مهلة أقصاها 31/1/2020.

 

وبنتيجة هذه المراسلات التي جرت بين الطاقة وادارة المناقصات، جزمت الاخيرة بمراسلة يعود تاريخها الى 16 كانون الاول 2019 بأنها “من خلال مصادرة الصلاحيات المُناطة بها حصراً من دون سواها، لناحية تسمية الخبراء وأعضاء لجنة التلزيم ولناحية حرمانها من تدقيق دفاتر الشروط الخاصة بحجّة إقرارها في مجلس الوزراء. انّ ادارة المناقصات، إذ تطلب الاصرار والتأكيد من مجلس الوزراء، فلأنّ ذلك يقع ضمن موجباتها الوظيفية عملاً بالقواعد الادارية العامة كما يدخل ضمن انتظام عمل المؤسسات وتوزيع المسؤوليات، ولا يشكّل اي اعتداء على اي صلاحيات لأيّ جهة أخرى”.

 

وبتاريخ 21 كانون الثاني 2020 ردّت وزارة الطاقة على ادارة المناقصات بالقول: “يؤسفنا الاستنسابية المعتمدة لجهة تفسيركم الدستور والقوانين المرعية الاجراء”، وأعادت المطالبة بصلاحية تسمية خبراء لمؤازرة عمل ادارة المناقصات تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 1.

فكان الرد الاخير من قبل ادارة المناقصات بتاريخ 22 كانون الثاني 2020 وفيه “انّ أي وزير لا يملك صلاحية تقدير وتقييم عمل ادارة خارجة عن نطاق صلاحيات وزارته، لاسيما ادارة المناقصات وهي ادارة رقابية مستقلة، لهذه الاسباب ترى ادارة المناقصات انها ملزمة برد هذا الكتاب شكلاً ومضموناً.

بما يعني انّ ملف الكهرباء لا يزال عالقاً بانتظار قرار جديد ومكرّر من مجلس الوزراء.

 

خبراء الاتحاد الاوروبي

استندت ادارة المناقصات في درسها لمشروع خطة الكهرباء الى تقرير لخبراء الاتحاد الاوروبي سجلوا خلاله ملاحظات عدة على خطة الكهرباء، منها: عملية التصنيف وعدم جواز تصنيف تحالف شركات. عدم انطباق حالة تضارب المصالح على مورّدي التوربينات الذين يمكنهم المشاركة كأعضاء في تحالف.

 

ينتقد الخبراء ان تكون وزارة الطاقة قادرة على إجراء تعديلات او اضافات في شروط المناقصة حتى ما قبل 20 يوماً من موعد تقديم العروض بما يتعارض مع قانون المحاسبة العمومية. يرى الخبراء انّ الحاجة الى الوقود الثلاثي واستخدام زيت الوقود الثقيل كوقود ثانوي في معمل الزهراني هو طلب غير ضروري ومن شأنه ان يرفع التكلفة. إنّ إلزام العارض تقديم عرضين يُربك لجنة التقييم ويدل على انّ الادارة لا تعرف ماذا تريد بما قد يؤدي الى فشل المشروع…

 

بناء عليه، اقترح خبراء الاتحاد الاوروبي حلاً يقوم على:

* الاستغناء عن الحل المؤقت نظراً لتكلفته المرتفعة وفائدته المحدودة. من الطبيعي ان تكون التكلفة التقديرية الواحدة في الحل المؤقت أعلى من التكلفة ذاتها في الحل الدائم.

* كل ميغاوات من الحل المؤقت يتم الاستغناء عنه يوفّر على الخزينة، بحسب تقدير الخبراء، مليون دولار. وفي حال تم الاستغناء عن كامل الحل المؤقت يحصل وَفر بقيمة لا تقل عن:

1,000,000 $ × 1000 ميغاوت = 1,000,000,000 $ (مليار دولار).

* تسريع الحل الدائم للحصول على طاقة مستدامة بقدرة 675 ميغاوات بعد 15 شهراً بدلاً من 1050 ميغاوات من الحل المؤقت بعد 12 شهراً من تاريخ توقيع الاتفاقية.

يتحقق ذلك من خلال اضافة 2 توربين غاز الى موقع الزهراني حيث الارض متوفرة.

 

خصائص الحل المقترح:

* طاقة مستدامة 1850 ميغاوات تُغني عن الحلول المؤقتة بعد 3 سنوات من تاريخ توقيع الاتفاقية تناسب الواقع اللبناني، لأنّ الدراسات العلمية تثبت ازدياد الحاجة للطاقة خلال السنوات القادمة لاسيما اذا تحقق فعلاً نمو اقتصادي.

* كلفة ضئيلة بالمقارنة مع خطة الوزارة التي ستعطي طاقة 1500 ميغاوات فقط بعد 3 سنوات تاريخ نفاذ الحل المؤقت بتكلفة اعلى.

* يستجيب اكثر لمفاهيم اتفاقيات الشراكة.

* يتناسب اكثر مع الاعتبارات البيئية والاجتماعية.

* توفير ما لا يقل عن 1050 مليون دولار على الخزينة اللبنانية.

* الحل المؤقت يزيد تكلفة الحل الدائم كما لو كان من دون الحل المؤقت.

 

كيف يتحقق ذلك تقنيّاً؟

يتم البدء في تشغيل التوربينات بشكل متزامن في المعملين في الدورة الاولى على مرحلتين في كل من المعملين وفي الوقت ذاته.

 

الحل المقترح من وجهة نظر الخبراء:

1 – على الرغم من أنّ الحل المؤقت بموجب اقتراح وزارة الطاقة والمياه لديه ميزة توفير بعض الانتاج في غضون 6 – 12 شهراً، الّا انّ مساهمته في الشبكة تزول/ تنعدم بعد 37 شهراً لأنّ الحل المؤقت هو فقط لمدة 36 شهراً حيث يُصار بعدها الى سحبه من الخدمة وتفكيكه.

2 – بعد 15 شهراً من توقيع اتفاقية شراء الطاقة، يولّد الحل المقترح 675 ميغاوات اي ما يزيد عن اكثر من 60 % من ناتج الحل المؤقت المخطط له، مع 3 أشهر فقط من التأخير، بينما بحلول الشهر 20 سيكون الناتج البالغ 1350 ميغاوات أعلى من ناتج الحل المؤقت، وهذا يعني أنه فقط مقابل تأخير يبلغ 8 أشهر سيتم مَحو الفائدة الزمنية، بدون الحاجة الى إجراء الاستثمار في المعامل المؤقتة.

3 – على الرغم من انّ الحل المؤقت الوارد ضمن مقترح وزارة الطاقة والمياه يؤمّن بعض الانتاج في غضون 6 – 12 شهراً، الّا انّ مساهمته في الشبكة تختفي بعد 37 شهراً لأنّ الحل المؤقت هو فقط لمدة 36 شهراً، بعد ذلك يتم سحبه من الخدمة وتفكيكه.

4 – بحلول الشهر 20 من التوقيع على اتفاقية شراء الطاقة، إنّ السيناريو الموصَى به يؤدي الى إنتاج طاقة مماثلة لإنتاج الطاقة وفقاً للحل المؤقت، وهذا يعني تأخيراً يبلغ 8 أشهر، وهذا تأخير لا يذكر ولا يبرر الاستثمار في المعامل المؤقتة.

5 – يتيح إلغاء الحاجة الى الحل المؤقت وفراً كبيراً نظراً لأنّ التكلفة التقديرية لكل ميغاوات في الحل المؤقت ستكون أعلى من تكلفة الحل الدائم. من المحتمل أن يحقق الحل المقترح وفراً مقدراً بـ 40 % قياساً باقتراح وزارة الطاقة والمياه.

6 – بناءً على اقتراح وزارة الطاقة والمياه في حلول الشهر 24، من المحتمل ان توفّر محطات الحل المؤقت فقط إنتاجاً احتياطياً لأنّ توربينات الغاز (GTs) ستعمل بكامل طاقتها في سلعاتا والزهراني وتكون قادرة على توفير كل الانتاج المطلوب من الحل المؤقت بتكاليف تشغيل أقل.

7 – تعتبر محطة مختلطة الدورات لتوليد الطاقة الكهربائية، اي الحل الدائم، اكثر جدوى وكفاءة من الحل المؤقت: بوَفر يصل الى 55 % (مقارنة بوَفر يصل الى نحو 30 % في الحل المؤقت).

8 – مشروع “أكثر نظافة” يتماشى أكثر مع اتفاقيات ومبادىء منتجي الطاقة المستقلين / الشراكة بين القطاعين العام والخاص التقليدية.

 

في النتيجة، يتضح من كل ما تقدّم، انّ خطة الكهرباء لم تُقلع بعد، وبالانتظار ستكون الحكومة أمام تحدٍ اختباري، إمّا أن تخالف توصيات ادارة هيئة المناقصات وتمضي قدماً في تنفيذ خطة مشكوك في فعاليتها، وإمّا أن تُعيد النظر بقرارها تَبنّي هذه الخطة، وستواجه في هذا الوضع “غضب” الطرف السياسي الذي يصرّ على هذه الخطة.