IMLebanon

الثقة البرلمانية لا تنقذ البلاد!

نالت حكومة “مواجهة التحديات” ثقة النواب الذين سموا الرئيس حسّان دياب وتوزعت قواهم السياسية في ما بينها الحصص الوزارية او لم تنل، لا فرق. فالثقة الدستورية المضمونة ليست هي ما يحدث الفرق، الذي احدثه في نصاب الجلسة البرلمانية اليوم “اللقاء الديمقراطي” فأمّن انعقادها. حكومة الرئيس سعد الحريري كانت كاملة المواصفات دستوريا، لكنها سقطت بضربة الشارع وانتفاضة تشرين. الفرق كل الفرق في مسار الازمة الخطيرة التي تمر بها البلاد لا يمكن ان يحصل الا من خلال ثقة الشعب والثقة الدولية الكفيلتين وحدهما بإعادة وضع لبنان على سكة التعافي، وما دامت الثقتان غير مؤمنتين، بدليل ما كان يحصل خارج “جدران العار” كما يحلو للثوار تسميتها من مواجهات بين الشعب والقوى الامنية لمنع حصول الحكومة على الثقة، وفي غياب اي مؤشر لفتح خزنات الخارج العربية والغربية امام حكومة دياب حتى اللحظة، فعبثا تحاول السلطة السياسية.

الدواء الشافي، كما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، موجود ان ارادت هذه السلطة انتشال لبنان من المرض العضال الذي تسببت به، غير ان ممارساتها لا توحي بتوافر الرغبة، اذ تمضي في النهج نفسه الذي فجر الثورة الشعبية مشيحة النظر عما يجري في الشارع، والادهى انها تحمّل الثوار مسؤولية ما يجري، على غرار ما فعل الرئيس نبيه بري في الجلسة مبديا انزعاجه من الاعتداء على سيارات بعض النواب والوزراء والاعتداء على النائب سليم سعادة، متجاهلا ما يتعرض له الشعب خارج قلعة البرلمان التي تتحصن خلفها السلطة المسؤولة عن هذه الثورة، حيث يدفع ثمن اقترافاتها الفاسدة على مدى ثلاثين عاما وقد قدم شهداء في سبيل بناء الدولة التي يطمح اليها.

اما المسؤولية، كل المسؤولية، تضيف المصادر، فتتحملها السلطة التي ترسم المسار السياسي للدولة. فهي عوض التزام سياسة واضحة وخريطة طريق تجنّب لبنان تداعيات الصراع الدولي الاقليمي على قاعدة “عند تغيير الدول احفظ رأسك” قررت الا تحفظ رأسها وحرفت لبنان بالمواقف والممارسات في اتجاه محور يخضع للعقوبات ولم تلتزم “النأي بالنفس” المنصوص عليه في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، وتركت للقوى السياسية التي انشأت “دويلة” داخل الدولة حرية الانخراط في صراعات الخارج الدموية مستجلبة العقوبات ومعرّضة الاقتصاد بكل مقوماته لانهيار لم يعد قادرا على الخروج منه، فقطعت طريق الاستثمارات الخارجية والسياحة، لاسيما منها الخليجية، وغضت الطرف عن تصويب السهام القاتلة في اتجاه الدول التي امنت للبنان المساعدات والدعم. وتؤكد المصادر ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، كل الدولة، ولا يمكن ان يتماهى مع مشاريع القوى السياسية بل يسهر على مشروع تعزيز الدولة وتأمين المصلحة الوطنية بمعزل عن مواقف هذه القوى. وبهدي سياسته، تسير الحكومة في خط الاعتدال.

اما فقدان سياسة التوازن، وحرف الدولة عن خط الاعتدال لمصالح وغايات بعيدة عن المصلحة الوطنية، فيضع علاقات الدولة الخارجية على المحك ويُدفّع البلاد ثمنها، على غرار ما يحصل راهنا. المطلوب، توضح المصادر، العودة الى سياسة لبنان الحيادية والمعتدلة التي رفعته الى اعلى المراتب في العالم، لإعادة اكتساب ثقة اضمحلّت، لا بل باتت شبه منعدمة، حتى تحوّل لبنان مضرب مثل في الفساد والدولة المارقة.

الثقة الضرورية لإنقاذ لبنان ليست برلمانية، على اهميتها، فإذا لم تصوّب السلطة من رأس الهرم الى اسفله مسارها السياسي وتعيد التوازن الى لبنان لتمهّد طريق استعادة الثقة الشعبية والخارجية، فإن ما تضمنته عظة راعي ابرشية بيروت المطران بولس عبد الساتر في قداس مار مارون من نصيحة للمسؤولين، أشرف لهم… وليفسحوا المجال لمن يملك القدرة على استعادتها.