IMLebanon

حكومة دياب غير معنية بالخلافات السياسية والحزبية

قد تكون المرة الأولى منذ ان تشكلت الحكومة الجديدة التي يندلع فيها اشتباك سياسي بحجم ما شهدته البلاد امس على هامش الإحتفال  في الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في (14 شباط من العام 2005) بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل دون ان يكون رئيس الحكومة حسان دياب او اي من وزارئه مضطرا او ربما مجبرا على ان يكون شريكا او متدخلا فيه او الإنحياز الى اى من طرفيه.

وطبقا لهذه المعادلة التي لم يعرفها لبنان من قبل ولا سيما في العقود الثلاثة الأخيرة التي اختلط فيها الشان الخاص سواء كان حزبيا او عائليا بما هو عام حكوميا او اداريا، ولم يعد الفصل ممكنا بين ما يجري في المقار الحزبية والطائفية أو الرسمية سهلا.

وعليه، توقف البعض امام بقاء رئيس الحكومة حسان دياب في اليوم الثالث من ممارسة مسؤولياته الحكومية بعد نيله الثقة و24 ساعة على زيارته اللافتة الى دار الفتوى خارج المشهد السياسي الذي تكون بكل تجلياته وأشكاله وظروفه المختلفة في الساعات الماضية. وخصوصا تلك التي عكستها الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال الحريري. ولم يكن سهلا ولا مجديا التفريق بين ما عكسه شكل ومضمون الاحتفال في بيت الوسط وبين موجة الردود التي اعقبته بين التيارين الأزرق والبرتقالي على حدته.

فرغم كل الضجيج الذي دفع اليه خطاب الرئيس الحريري بما تضمنه من انتقادات قاسية وما استدعاه من رد فعل لباسيل بالوجهين اللذين استخدمهما “الشخصي والسياسي” فلم يبرز اي دور لأي مسؤول حكومي في المواجهة. وظهر في الشكل والمضمون على انه خلاف بين طرفين حزبيين خارج كل الأطر الرسمية والمؤسسات الحكومية والسلطة التنفيذية. وزاد من حدته عندما  شكل رد باسيل إشارة لحملة اعلامية واسعة شارك فيها الى اركان قيادته الحزبية ونواب من كتلة “لبنان القوي” وزراؤه السابقين في وقت رفض فيه الحريري الرد بالمناسبة مفضلا ان يحتفظ بطابعها العائلي والوطني. ولكن ذلك لم يحل دون اشتعال مواقع التواصل الإجتماعي بعنوانين  شكلا “تراندا” على موقع “تويتر” لبعض الوقت قاده جيشان الكترونيان قال اولهما “#سعد_الحريري_كذاب”،وقال الثاني الذي انشىء لمواجهته “سعد_الحريري_اصدق_الناس” وهو ما شكل منصة لتبادل فتح الملفات الوسخة من الماضي ومعها  الإتهامات بالتقصير والفشل في إدارة شؤون بعض القطاعات الحيوية التي تعني الدولة والناس.

لم يسبق ان بقي رئيس الحكومة وجميع الوزراء على حياد كما فعل الرئيس حسان دياب ووزراؤه في اليومين الماضيين. فهم ومن دون استثناء حافظوا على اعلى درجات “الحياد” و”الاستقلالية” كما “الصمت” ولم يشارك اي منهم في الحملات المتبادلة بين التيارين وهي ظاهرة  لم يعتد عليها الشعب اللبناني من قبل. ومرد ذلك انه لم يكن هناك فصل واضح بين السلطات الدستورية وغير الدستورية. أضف الى ذلك فقد مضى 48 ساعة  على توقيع الوزراء الجدد وثيقة تحرم عليهم اتخاذ مجموعة من الخيارات الداخلية والمالية والادارية والسياسية بما فيها التعهد بعدم الترشح الى الإنتخابات النيابية حصرا إن اشرفت حكومتهم على مثل هذه الانتخابات. وكل ذلك بغية بقائهم خارج نطاق استغلال مواقع السلطة من اجل منفعة خاصة، حزبية كانت او مادية في طريق السعي الى اظهار استقلالية الحكومة وحيادها عن الصراعات الداخلية بين الأحزاب والطوائف اللبنانية.

وعلى هذه الصيغة التي لقيت استحسانا عند اللبنانيين قالت مصادر  حكومية لـ “المركزية” ان الحكومة نجحت في اول اختبار من هذا النوع فالرئيس دياب لم يجد نفسه مضطرا للتعميم على وزرائه بعدم المشاركة في مثل هذه المواجهات التي كانت تقود الحكومة من قبل الى اشكاليات عدة ومواجهات غير حميدة بين اعضائها وفي شوارعهم وصولا الى مناطقهم او مؤسساتهم وحتى مذاهبهم. فتكرس بذلك نوع من الفصل عن القوى الحزبية والطائفية في البلاد لتتفرغ السلطة لما هو مطلوب منها في ظل مسلسل الأزمات الاقتصادية والنقدية وفي العلاقات الخارجية.

وبعد التوقف مليا امام هذه الصورة التي أظهرتها الحكومة في اول استحقاق داخلي من هذا النوع تساءل المراقبون عن مدى قدرة هذه الحكومة على استنساخ هذا الموقف على المستوى الخارجي. فلبنان يحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى الى استعادة علاقاته الخارجية مع المجتمعين العربي والدولي من اجل تعزيز قدراته في مواجهة الاستحقاقات التي تواجهها على الطريق لاستعادة الحركة المالية الناشطة واستدراج رؤوس الأموال التي كانت تقصده من اجل تسهيل الحصول الى حاجته من العملات الأجنبية في بلد بلغت نسبة الدولرة في اقتصاده 73 % كما بالنسبة الى ترميم علاقات لبنان الخارجية مع العالمين العربي والخليجي تحديدا منه  كما الدولي.

وانتهت هذه المصادر لتقول ان امام رئيس الحكومة وبعض الوزراء مهاما صعبة في بلوغ مرحلة “النأي بالنفس” بالنسبة التي تعيد لبنان تحت المظلة الدولية وتبعده عن هذا المحور أو ذاك. ففي تلك المحطة ان بلغها دواء كاف وشاف لولوج المرحلة التي تضمن امكان الوصول الى الحلول الناجحة او ان تقطع الميل الأول المطلوب من مسيرة الألف ميل. فكل المحطات الصعبة التي شهدتها البلد كان مثل هذا الخيار مطلوبا. ولو لم تخرج عنه الحكومة السابقة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي كان يناقش التوغل التركي في شمال سوريا في الجامعة العربية في اعقاب مؤتمر “الإستثمار من اجل لبنان” الذي عقد في ابو ظبي مطلع تشرين الثاني الماضي لما وئدت مقراراته  والمساعدات وبرامج الاستثمار التي تقررت في مهدها.

ولولا بعض المواقف المماثلة التي اطلقت في بعض الأندية الدولية لما فقد لبنان المظلة الحامية التي كانت متوفرة ولم يكن مطلوبا سوى ملاقات أصحابها في منتصف الطريق بخطوات تعيد لبنان الى موقعه المحايد ليس على مستوى الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين والعرب انما على مستوى العلاقات الرديئة التي تحكم العلاقات بين العرب في ما بينهم ومع ايران والتي وضعت لبنان على لائحة الدول التي يديرها الحرس الثوري من طهران لتزيد من العزلة التي اصابته في الفترة الأخيرة والحصار المالي المضروب عليه.

وانتهت هذه المصادر لتقول ان اقدام حكومة دياب على تصحيح الخلل الذي قام في عهد الحكومة السابقة على مستوى العلاقات الخارجية مفتاح حل بعض المشاكل دون ان يعني ذلك وقف البحث عن المال المنهوب فدون استعادته مسافة زمنية لا ينتظرها لبنان لتأتي بثمارها. فما هو واضح ان وزير الخارجية ناصيف حتي مقتنع بهذا الخيار بعدما اكد عليه في اكثر من اطلالة وما على الجميع سوى استنساخ هذه السياسة الداخلية التي تنأى بلبنان سياسيا ودبلوماسيا واعلاميا عن الزواريب الداخلية للدول العربية والخليجية تحديدا قبل ان ينأى عنا هؤلاء جميعا. فهل تفعل؟