IMLebanon

تأثير الأزمة الإيجابي على العائلة في لبنان

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

هل للأزمة التي نمرّ بها إيجابيات؟ كيف تنعكس على العائلة، وعلى أدوار مكوناتها من أب وأم وأولاد؟ هل تعود عقارب الساعة إلى الوراء وتعود العلاقات العائلية إلى التكاتف والتعاضد؟ هل ينعكس التدهور المالي إيجاباً على العائلة؟اعتاد الشعب اللبناني على مواجهة الصعوبات على مرّ السنين، من حروب وصراعات وأزمات إقتصادية واجتماعية؛ أما اليوم فـ«الوضع دقيق وخطير»، تقول وداد، التي عاشت الكثير من المراحل الصعبة في الوطن، وتضيف: «تحت القصف ما كنا نحس بهالقلق، كنا نتخبى بالملجأ مع ولادنا، بس اليوم خايفين ما نقدر نأمّن لقمة العيش والدوا، حتى المصاري اللي جمعناها ما بقى فينا ناخدها، ما منعرف وين رايحين، شي بيخوف».

أما لوريت فتقول: «شغل ما بقى في، صرنا قاعدين بالبيت مع الولاد، رجعت حضّر الغدا، ونقعد نحكي ونضحك سوا، يمكن هيدا يكون من حسنات الأزمة اللي مارقين فيا».

لا يُخفى على أحد ما نمرّ به على الصعيد الإقتصادي، من تراجع عدد ساعات العمل، ونقص المدخول جرّاء ذلك، وتوقف العمل نهائياً بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص، والتوقف النهائي للمعاشات؛ وامتناع المصارف عن تأمين حاجات الأشخاص المالية من مدخراتهم الخاصة في الوقت نفسه، ما نتج منه مساواة بين الغني والفقير ولو لمرة واحدة، من جهة، والحد من التباهي والإستعراض بالمظاهر المادية من جهة أخرى.

في هذه المرحلة، لم يعد بإمكان الآباء والأمهات الخروج لساعات طويلة من المنزل، فقد تراجعت ساعات العمل والمداخيل، كما بدأ الجميع يفكر بإدارة جديدة للمصاريف. ونتيجة ذلك، أصبح الأهل يميلون إلى إيصال أبنائهم الى حيث يتوجهون بدلًا من الإستعانة بالسائق وبسيارات الأجرة، ويتسنّى لهم بذلك مرافقتهم والحديث معهم على الطريق.

وأثناء وجود الآباء والأمهات في المنزل، تراجع استخدام الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي من قِبل الأطفال والمراهقين، وزادت الرقابة والإهتمام والحضور الفعّال. أما بالنسبة للدراسة، فأصبح الأهل مضطرين الى الإستغناء عن المدرّسين الخصوصيين، ومتابعة دروس أبنائهم بأنفسهم، وعن كثب.

اما الأمر المضحك المبكي بالنسبة للسيدات، فيتعلق باستغناء معظمهن عن العاملات المنزليات الأجنبيات، بسبب عدم توافر الدولارات. فعادت الأم إلى الإهتمام بغسل الملابس وترتيب الأسرّة، وتأمين طلبات الأبناء. كما بات عامل الدليفري شبه غائب، وعادت الأم إلى وضع الطنجرة على النار، وجمع أفراد العائلة الى طاولة الغداء.

إذًا، للتردّي الإقتصادي فوائد وحسنات، فقد شدّ أواصر العائلة، وخفّف التمييز بين الطبقات الإجتماعية، كما أبعدنا عن المظاهر الغشاشة والخدّاعة، وقرّبنا من حقيقة الآخر. صحيح أنّ التراجع المادي مقلقٌ ويُشعرنا بالحرمان، إلّا أنّه يعيدنا إلى أرض الواقع، فبتنا نراجع أولوياتنا وحاجاتنا الأساسية، والأكيد أنّه يُبعد شبح الإحباط والإكتئاب والعادات السيئة عن أولادنا، التي يقعون فيها تعويضًا عن إهمالنا وغيابنا الدائم.

ولو أردنا الإضاءة على الموضوع بشكل أوضح، فالأزمات المالية ليست إيجابية، لكنها انعكست إيجابًا على العائلة في مجتمعنا، حيث كنا قد وصلنا إلى مرحلة أصبحنا نعتمد في كل تفاصيل حياتنا على المال وما يُشترى بواسطته، طارحين جانبًا المبادئ والقيم، ومتناسين العواطف من حبّ وودّ وتعاطف. مرحلة استبدلنا فيها التفاهم والتواصل والحضور الفعّال بالمظاهر الخارجية، ما أدّى إلى تفاقم الآفات الإجتماعية من إدمان وسرقة وعنف، كما إلى اضطرابات نفسية متعددة، أهمها الإكتئاب الذي يحصد خيرة الشباب من حيث العزلة والإستسلام، وصولًا إلى الإنتحار.