IMLebanon

النزوح السوري والعمل غير النظامي في لبنان

شكّل النزوح السوري إلى لبنان معضلة كبرى على المُستويين الاقتصادي والاجتماعي، نظراً إلى اتباع لبنان سياسة الباب المفتوح في دخول السوريين إلى أراضيه، منذ اندلاع الأزمة في العام 2011 وحتى بداية العام 2015، وفي ذلك تماهٍ مع روحية نظامها الليبرالي.

ومنذ ذلك التاريخ، استمرَّ لبنان في فرض شروط على دخول السوريين، ما منع العديد من طالبي النزوح فعلياً من دخول أراضيه، لكن في المقابل لم تتّخذ الحكومات اللبنانية المُتعاقبة سياسة تدخّلية تضبط بموجبها سوق العمل، وتُحدّد فُرص العمل المُتاحة للنازحين، والتي تحمي العمالة اللبنانية من المُزاحمة الأجنبية، بل إنّ الطلب في سوق العمل غير النظامي شكّلت فيه العمالة السورية، مصدراً رئيسياً لاسيما في قطاعي الزراعة والبناء، إذ هم يعملون بمعظمهم كعمّال مياومين وموسميين مهما صعب العمل، ويرضون بأجور متدنية عن أجور اليد العاملة اللبنانية، ويوفّرون على رب العمل عبء تأمين الضمانات الاجتماعية.

نُلاحظ أنَّ وجود ما يقارب الـ1.500.000 نازح سوري، زاد من نسبة العمالة غير النظامية، فبحسب إحصاءات الراصد العربي، حول العمل غير النظامي في العام 2017، تبيّن أنَّ أكثر من نصف العاملين في لبنان غير نظاميين (56%). كما أنَّ العمالة غير المنظّمة نمت في لبنان بمعدل سنوي وصل الى حدود 0.86% للفترة الممتدّة ما بين العامين 2000 و2007، وبالمقارنة مع دول المنطقة، نجد أنّها نمت بوتيرة أسرع من مصر (0.76%) وسوريا (0.58%).

وكان قد أشار تقرير البنك الدولي (2015) الى انَّ الأُجراء النظاميين يشكّلون أكثر من 29% من اجمالي العاملين في لبنان، في حين يشكّل العاملون لحسابهم اللانظاميون حوالى 32%، والأجراء اللانظاميون %19.

كما تبيّن أنَّ حوالى نصف اليد العاملة في الفئة الثالثة (أي إذا كان الأجر الشهري يتراوح بين مقدار الحد الأدنى للأجر، ولغاية ضعفيه كعمّال التنظيفات، والعاملين في القطاع الزراعي والصناعي… إلخ) غير شرعية، ونحو 26% من مجمل اليد العاملة الأجنبية غير الشرعية. ولا توجد بالتالي أرقام رسمية دقيقة حول العمّال السوريين غير المُسجّلين، والتقديرات تشير إلى وجود نحو 400 ألف عامل سوري لا يملكون إجازات عمل. وهذا ما يُظهِر امتهانهم أعمالاً غير نظامية مثل الأعمال التي حدّدتها وزارة العمل في العام 2019 كالزراعة والنظافة والبناء…إلخ.

مع الإشارة إلى أنَّ البلديات لا تسمح بعمل النازحين السوريين، إلا في الأعمال التي حدّدتها الوزارة، أي في الأعمال غير النظامية، والتي لا يستفيد من خلالها العامل من أي ضمانات وحماية اجتماعية.

ومن خلال دراسة ميدانية نفّذناها في منطقة جزين (50% من أُسَر النازحين خلال أيار 2019 البالغ عددهم 110 أُسَر في بلدات جزين ولبعا وكفرجرة)، تبيّن لنا أنّ 141 ناشطاً اقتصادياً، يعملون أعمالاً غير نظامية، توزّعوا كالآتي: 20 في الزراعة (كالعمل في الأرض وزراعتها ورعايتها، فلاحة، الأعمال الزراعية الموسمية كفك وتشحيل الصنوبر، قطاف الزيتون والفواكه والخضار، استصلاح الأراضي… إلخ)، 15 في قطاع البناء (كالبناء، الدهان، التبليط، التوريق… إلخ)، 22 في إطار الخدمات المتخصّصة (كالعمل بصفة ناطور، تنظيف مساكن، عتالة، سنكرية، أعمال كهربائية… إلخ). كما تبيّن أنَّ 19 زوجة تعمل في الزراعة (على الأخص بالقطاف والتعشيب… إلخ) ومبحوثة واحدة تعمل في مجال تصنيع المؤونة البيتية… إلخ. أما الأولاد فتوزّعوا كالآتي: 11 يعملون بالزراعة، 24 في قطاع البناء، 12 في مجال الخدمات المُتخصّصة، 3 في بيع المناديل الورقية والماء أو غيرها من السلع في الشوارع، وثلاثة منهم في مجال التجارة كبيع المنتوجات الزراعية المستوردة من سوريا… إلخ، ومبحوث واحد فقط يعمل في مجال التصنيع. علماً بأنَّ 85.5% من تلك الأُسَر كانت قد تسجّلت لدى UNHCR، ويحملون صفة لاجئ، وبالتالي لا يحق لهم العمل على الأراضي اللبنانية.

أخيراً لا بد من الإشارة إلى أنّه على الرغم من ارتفاع نسبة العاملين في الأعمال غير النظامية، إلا أنّها تشكّل ملاذاً لغير القادرين على الانخراط في سوق العمل النظامي.