IMLebanon

دياب يُحذّر من “درب جلجلة”: كل الدَّين العام على الطاولة

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

كل المؤشرات تدلّ على أنّ الدولة اللبنانية لن تدفع استحقاق اليوروبوندز، بعدما قررت الاستعانة باستشاري مالي وآخر قانوني للتفاوض مع الدائنين واقناعهم بإعادة جدولة الدين العام… من دون أن يعني ذلك أنّه خيار مُنزّه عن العواقب والتداعيات الصعبة، لكن القعر الذي بلغته المالية العامة يحتّم المفاضلة بين السيئ والأسوأ منه. لم يعد هناك من مسارات وردية، لا بل صارت أشبه بدرب الجلجلة، كما شبّهها رئيس الحكومة حسّان دياب.

ورغم ذلك، لن يتوقف أصحاب المصالح، لا سيما منهم المصارف عن ممارسة الضغط على الحكومة ورئيسها، لدفعهم للتراجع عن هذا التوّجه الذي صار شبه محسوم، علّهم ينجحون في اقناع السلطة التنفيذية بالامتثال لمبدأ سداد الدين تحت طائلة الملاحقة القانونية وسقوط سمعة الدولة في الحضيض، وكأنّها اليوم في السماء! اذاً، بدأ العدّ العكسي لحلول يوم التاسع من آذار، موعد الاستحقاق الأول لليوروبوندز، فيما حوّل دياب السراي الحكومي إلى خلية نحل لا تهدأ لا ليلاً ولا نهاراً، حتى أنّ دوائرها اشتغلت يوم الأحد الماضي وكأنه يوم عمل عادي، حيث تنكب مجموعة الاستشاريين الماليين والاقتصاديين، بالتعاون مع الشركتين الأجنبيتين، على دراسة كل السيناريوهات المحتملة لما بعد التاسع من آذار.

يهمل دياب نسبياً بقية القضايا الملحة، باستثناء “غزو الكورونا” الذي فرض نفسه على جدول أعمال الحكومة، كي يعطي الأولوية للملف المالي، نظراً لكون مواعيده داهمة وتستدعي البتّ بها سريعاً.

بات جلياً، أنّ السؤال الذي يختصر مسألة استحقاق آذار، قبل أن ينضمّ إليه استحقاق نيسان وذلك المنتظر في حزيران، هو التالي: من سيتحمل كلفة هذا الدين؟ المدين أم المودع اللبناني كون سداد الدين سيكون مما تبقى من احتياطي مصرف لبنان الذي هو عبارة عما تبقى من أموال المودعين.

ولذا حاول دياب أمس طمأنة المودعين، لا سيما الصغار منهم ومتوسطي الحال معلناً أنّ “معالجة موضوع اليوروبوندز سيتخذ يوم الجمعة او السبت بقرار يحفظ حقوق المودعين الصغار والمتوسطي الحال، ومصلحة لبنان”.بمعزل عما ستقرره الحكومة خلال الساعات المقبلة، يواجه دياب أصعب اختبار في حياته وأكثره كلفة. فالرأي العام يئن تحت وطأة جشع التجار والأكلاف المعيشية المرتفعة، والأحكام المصرفية التي تحولت إلى محاكم مالية عرفية لا حسيب عليها ولا رقيب، ما يدفعه إلى تحميل الحكومة مسؤولية الفشل وعدم القدرة على مواجهة البركان الاجتماعي الاقتصادي، فيما الطبقة السياسية برمتها تقريباً، تصلّي لكي تقع الحكومة فريسة الأثقال المتوارثة من أسلافها، وكي تفشل في مهمتها لتعود التركيبة التي كانت تحكم قبل السابع عشر من تشرين الأول الماضي، على حصان أبيض.ولهذا يحاول رئيس الحكومة بنفسه تمهيد الطريق أمام قرارات صعبة ستلجأ إليها الحكومة ضمن خطتها الانقاذية المنتظر خروجها الى النور خلال الأيام القليلة المقبلة. يعرف دياب جيداً أنّ حكومته عالقة بين الخيارات الصعبة وتلك المؤلمة. الانهيار وقع، ولا ترف للحديث عن احتمالات الانقاذ من دون أثمان باهظة. ولهذا لمّح رئيس الحكومة أمس إلى أنّه “لا خيار أمامنا إلا السير على طريق الجلجلة مهما كان الوجع والأيام المقبلة ستشهد حسم النقاش لاتخاذ قرار مفصلي للحكومة”

لم يكتف دياب بالإشارة إلى صعوبات المرحلة المقبلة، لكنه حرص على وصفها بالمفصلية بشكل يوحي بما لا يقبل الشك، بأنّ الخطة التي ستتبناها الحكومة لن تحصر اهتماماتها بكيفية معالجة استحقاق اليوروبوندز، وإنما ستتسم بالشمولية لكونها ستضع كامل الدين العام على طاولة المعالجة، كما يؤكد المطلعون على موقف دياب.

بالنسبة لهؤلاء، فإنّ معالجة استحقاق آذار لا يشكل بحدّ ذاته عبئاً كبيراً إذ كان بالإمكان تجاوزه عبر “السواب” أو الدفع أو حتى اعادة جدولته، لكنّ دياب يصرّ على أن يكون هذا الموعد فرصة لوضع كامل الدين العام على طاولة البحث، لمرة واحدة وأخيرة، تقرر خلالها الحكومة كيف ستتعامل مع “كرة النار” التي تلقفتها بين يديها. ولهذا يعتبرها دياب نقطة تحول في المالية العامة وفي مسار الدولة ككل، لأنّ بعدها لن يكون شبيهاً لما قبلها.

وكان دياب أكد أمام أعضاء السلك القنصلي الفخري أنّ “الدولة اليوم في حالة ترهل وضعف إلى حدود العجز، والوطن يمر بمرحلة عصيبة جداً، واللبنانيون قلقون على حاضرهم ومستقبلهم، والخوف يتمدد من الوضع المالي إلى الأوضاع الاقتصادية والواقع الاجتماعي والظروف المعيشية، وصولاً إلى الهموم الصحية الداهمة”.

أضاف: “بكل صراحة، لم تعد هذه الدولة، في ظل واقعها الراهن، قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم. وبكل شفافية، فقدت هذه الدولة ثقة اللبنانيين بها. وبواقعية، تراجع نبض العلاقة بين الناس والدولة إلى حدود التوقف الكامل. اليوم نحن أمام معضلات كبرى، بينما آليات الدولة لا تزال مكبلة بقيود طائفية صدئة، وجنازير فساد محكمة، وأثقال حسابات فئوية متعددة، وفقدان توازن في الإدارة، وانعدام رؤية في المؤسسات”.

وأردف: “لقد جاءت هذه الحكومة وهي تعلم أن حملها ثقيل، وأن مهمتها معقدة، لكننا مصممون على تفكيك هذه التعقيدات، وعلى الانتقال بلبنان إلى مفهوم الدولة، ومعالجة المشكلات المزمنة. هذه الحكومة اختارت أن تحمل كرة النار، وهي تعمل على تخفيف لهيبها كي لا تحرق التراب بعد أن أحرقت الأخضر واليابس. لا خيار أمامنا إلا السير على طريق الجلجلة، مهما كان الوجع، لأن الخيارات الأخرى أخطر بكثير”.