IMLebanon

لبنان دَخَلَ مدار «المخاطرة الكبرى» فهل… ينجو؟

 

دَخَلَت بيروت في مَدار «المخاطرة الكبرى» التي شكّلها قرارُ تعليقِ دفْع استحقاقات «اليوروبوندز» ومحاولةُ اجتراحِ «تَخَلُّفٍ منظَّم» لاحِقٍ من ضمن تفاوُض مع الدائنين تلِجه «بلاد الأرز» بلا «كاسحة ألغام» سياسية ومالية دولية، بما يترك لبنان في مهبّ احتمالاتٍ قاتمة يُخشى أن تُفاقِم من عصْف الأزمة التراكمية التي انفجرتْ في الأشهر الأخيرة وأَمْلتْ انتقاله إلى ضفة الدول المتعثّرة على متنِ «تحولات متسلسلة» في المشهد الداخلي.

ولن يتأخّر تَبَلْوُرُ إذا كان الدخولُ الرسمي للبنان نادي الدول المتعثّرة بعد انقضاء فترة السماح المحدَّدة بأسبوع تلي تاريخ استحقاق إصدار سندات يوروبوندز 9 مارس (1.2 مليار دولار) سيكون فعلاً «الدواء» لمأزق الدين العام السيادي أم أنه سيستجرّ «داءً» جديداً أو أكثر يكون بمثابة إشعال «عود ثقاب» فوق برميل البارود المالي – الاقتصادي – المصرفي – النقدي – المعيشي الذي تتشابك فتائله مع معالم محاولاتٍ لجعْل الانهيارِ ممراً لبناء منظومة بوليتيكو – اقتصادية تُلاقي الهنْدسة الجيو – سياسية التي عُمل عليها طويلاً من «حزب الله» وامتداده الإقليمي.

وفي حين سجّلت سندات لبنان الدولارية تَراجُعاً بـ 8.4 سنت، أمس، إلى مستوى قياسي منخفض وسط ترقُّب لجوء المؤسسات الدولية لخفض تصنيف بلاد الأرز الى درجة التعثّر مع ما يطرحه ذلك من صعوبات على صعيد تعامل المصارف مع السوق المالية العالمية وارتداداتٍ تالياً على عمليات الاستيراد، فإن الأنظار شخصت على جانبيْن أساسييْن في الطريق إلى المفاوضات الوعرة مع الدائنين الأجانب:

* الأول ردّ فعل الخارج على خيار التخلّف عن السداد غير المسبوق، في ظلّ خشية تضاعفت من أن تكون البلاد تخسر آخِر حلقات الربْط مع المجتمعيْن العربي والدولي.

وفي هذا الإطار، عبّرت أوساط مطلعة عبر «الراي» عن مخاوف من أن يؤدّي الكلام عن «الجمهورية الثالثة»، إلى جانب ملامح الارتداد على النظام المصرفي والاقتصاد الحر، إلى جعْل المجتمع الدولي، الذي وضع لبنان أصلاً «تحت المراقبة» بعد ولادة حكومة اللون الواحد ورافعتها الأساسية «حزب الله»، ينكفئ عن مدّ اليد إلى بيروت في مسيرة الإنقاذ ما دامت من ضمن انقلابٍ على جمهورية الطائف لمصلحة «دولة المقاوَمة». علماً أن الخارج بدا متناغماً حيال اعتبار صندوق النقد الدولي «عرّاب» مرحلة النهوض عبر برنامجٍ يضمن تنفيذَ الإصلاحات الهيكلية والقطاعية، ويقف «حزب الله» بوجهه رفْضاً لنقْل الأزمة وحلولها إلى ملعب التدويل.
* الثاني مدى قدرة الحكومة على الخروج بخطةٍ واضحة تُقْنع على أساسها حَمَلة سندات اليوروبوندز بالسير بخطة إعادة هيكلة منظّمة للدين، وإلا فتْح الباب أمام مسارٍ معقّد من المقاضاة الدولية.

وفي هذا السياق، بقي الغموض الكبير يلفّ خطةَ الحكومة غير الجاهزة بتفاصيلها والتي تعتريها عقدةٌ محورية تتمثّل في كيفية تأمين السيولة بالدولار التي لا بدّ منها والتي لا يمكن توفيرها من خارج برنامج مع صندوق النقد، في ظلّ استحالة الحصول على «تمويل سياسي» خارجي مباشر، ناهيك عن دخول المنطقة والعالم مرحلة حرب الأسعار والإنتاج على جبهة النفط بما يُخشى معه أن تزيد متاعب لبنان الذي سيتعيّن عليه أن «يقلع شوكه بيده».

وفيما تساءلتْ الأوساطُ عن إمكان أن يجرّ التفاوض مع الدائنين، من باب طلبهم تحت سقف الضمانات المستقبلية لإعادة أصل الدين (أدوات استرداد القيمة او Value Recovery Instruments)، إلى إدخال النفط والغاز في هذا المسار (حجْز جزء من الإيرادات المستقبلية) بما يجعل «جلد الدب على الطاولة» قبل اصطياده، رسمت علامات استفهام حول مدى قدرة الحكومة على وضع خطة تستجيب لشروط الإنقاذ المالي وتُقْنع الدائنين والخارج في ظلّ نقاط ضعف عدة تشوبها: أوّلها أن الحكومة شُكلت بعدما سُحب منها «دسم» القرارات في الملفات السيادية بقوة نفوذ «حزب الله»، ما يجعلها غير قادرة على أن تكون الضامنة لمساراتٍ لا مفرّ منها بملاقاة الإصلاحات الضرورية وبينها وقف التهريب عبر المعابر الحدودية، مع تذكير الأوساط بأن الحكومة لا تملك أيضاً قرار التفاوض على ملف ترسيم الحدود البحرية (النفطية مع اسرائيل).

وثانياً أن بعض أطراف الائتلاف الحاكم، يتّهم بعض السلطة السابقة بالمسؤولية عن «الخراب» مع حصْره بالبُعد التقني المالي – المصرفي، وسط سؤال الأوساط المطلعة هل كان الاقتصاد الريعي والسياسات المالية والمصرفية نفسها أوصلت إلى السقوط المريع الشامل لو لم يتم اقتياد البلاد إلى المحور الإيراني؟

ولم تتعاطَ الأوساطُ عيْنها بارتياحٍ مع ما نُقل عن وزير الاقتصاد راوول نعمة من أن «لبنان في انتظار قرار حاملي السندات في شأن إما التعاون في هيكلة الدين واما اللجوء إلى السبل القانونية»، وتأكيده «أن لبنان يرغب في إعادة هيكلة الدين بشكل كامل ونهائي»، وإشارته إلى انه «إذا اتُخذ إجراء قانوني فإن أصول الحكومة ومصرف لبنان المركزي تتمتع بحصانة»، معتبرة أن «من الخطأ الإفراط بالاطمئنان إلى مآلاتِ أي مسارٍ قانوني يبقى عرْضةً لمفاجآت أو قطب مخفية قد لا تغيب عنها السياسة».