IMLebanon

التعليم “بالمشالحة”: الأهل يهلّلون والتلامذة يشتكون

كتبت زيزي إسطفان في صحيفة “نداء الوطن”:

بعد السلام بالمشالحة والتبويس بالمراسلة والعناق بالنظرات ها هو التدريس عن بعد يأخذ مكانه في غمرة الإجراءات الوقائية التي فرضها الذعر من انتشار فيروس كورونا. في زمن الكورونا القوي وفي يوم المعلم انتهت حقبة “اللحمات إلك والعضمات إلنا ” التي سادت لعقود طوال في مدارسنا اللبنانية ليحل محلها مبدأ “من بعيد لبعيد درّستك”. فهل تبقى النتائج بعيدة أم يثبت التدريس عن بعد أهميته؟

مر الأسبوع الأول على توقف المدارس والجامعات سلساً لطيفاً كأنه عطلة موسمية استغلها بعض التلاميذ وأوليائهم للتنعم بثلج لبنان وطبيعته ومطاعمه (قبل قرار إقفالها) وسهراته. لم يأخذ مسؤولو المدارس ولا الطلبة أو أهاليهم الأمور على محمل الجد. ظنوا بدايةً أنه إجراء احترازي لإسكات بعض الألسن التي تندد بتخاذل الدولة وتراخي وزارتي الصحة والتربية. ولكن ما إن أطل الأسبوع الثاني برأسه مترافقاً مع انتشار أوسع للفيروس وتمدده في مدارس لبنانية عدة حتى بدا الأمر أكثر خطورة وأحس الكل بالسخن. لم يعد الوقت وقت مزاح وإطلاق نكات وتفاهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بل أدرك الجميع لزوم استدراك الأمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السنة الدراسية. فتوقف الدروس يبدو حتى الآن من دون أفق واضح ولا أحد يعرف متى تفتح المدارس أبوابها من جديد فالجامعة الأميركية في بيروت أعلنت صراحة توقيف الدروس لمدة 45 يوماً قابلة للتجديد. العام الدراسي إذا على المحك والامتحانات الرسمية تبدو حتى الآن في مهب الريح رغم محاولات المكابرة والتنكر للواقع. وتؤكد د. ندى عويجان رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء أنها حاصلة حتماً وستشمل كل البرنامج كالعادة ولكن مع مرونة أكبر في الاختيار بين الأسئلة حتى يتمكن الطلاب من اختيار ما أنجزوه من البرنامج. ويشدد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولوف عبود على ضرورة إجراء الامتحانات الرسمية بمواعيدها، مع مناقشة شكلها وكمية المعلومات التي تشملها وتواريخها.

عدد أيام التعطيل كاد يفوق أيام الدراسة وبات التعويض عنها بأيام إضافية تستقطع من العطل كما كان يحدث سابقاً شبه مستحيل لذا يجري البحث اليوم عن سبل عملية للتعويض عن توقف الدروس القسري والحد من أضراره.

الجامعات كانت أول من دق ناقوس الخطر فمستقبل طلابها على كف عفريت ولا بد من استدراك الأمر والقيام بما يضمن استمرارية التعليم ويكفل إتمام البرامج الدراسية… الأهل هللوا والمعنيون تأهبوا وانطلق القطار. الدراسة عن بعد أو التعليم الإلكتروني هو الحل الجدي الوحيد المطروح اليوم ولا سيما وأن لمعظم جامعات لبنان دوراً ريادياً في اتباع أحدث الوسائل التكنولوجية في التعليم والتواصل وحتى في ابتكار بعضها. لكن بالطبع تختلف الجهوزية الفنية والأكاديمية بين جامعة وأخرى في ما يخص التعليم الإلكتروني، ففيما بعضها جاهز اساساً للتحول الى هذا النمط التعليمي لا يزال بعضها الآخر بحاجة الى المزيد من التحضير سواء على الصعيد البشري بين أعضاء الهيئات التعليمية والعاملين في قطاع التواصل والاتصالات فيها أو على صعيد التجهيزات الإلكترونية واللوجستية والبرامج التي تتيح التعليم عن بعد. وقد سارع الكثير من الجامعات الى إكمال ما لديها من نواقص وتعزيز قدراتها التقنية واللوجستية من خلال خبراء واساتذة مختصين لتفعيل آلية التعلم عن بعد وجعلها اكثر عملية وفاعلية.

المدارس بدورها لحقت بالجامعات وبعضها سبقها في عملية إعداد طرق جديدة للتعليم عن بعد وذلك بعد أن كان الجزء الأكبر من المدارس في الأسبوع الأول من الإقفال يعمد الى مراجعة الدروس السابقة وتعزيزها بواسطة المزيد من التمارين البيتية، وقد بات اليوم متجهاً الى إيجاد الوسائل التي تتيح للاساتذة شرح دروس جديدة وإتمام البرنامج بشكل تفاعلي مع التلاميذ.

نسأل السيدة وداد وهي مسؤولة في إحدى المدارس عن استراتيجية مدرستها الإلكترونية فتقول: بداية كنا نرسل الأجندة الى التلاميذ عبر موقع المدرسة الإلكتروني كما اعتدنا فعله منذ بضع سنوات فنحن قد انتقلنا الى التفاعل الألكتروني مع التلاميذ وأهلهم منذ ما يقارب العقد حيث لكل تلميذ هوية رقمية يحصل من خلالها على علاماته وملاحظات الأساتذة حول عمله إضافة الى المراسلة مع الأهل. واليوم نعمل بسرعة قصوى على تحديث موقعنا بحيث يمكن لاساتذة كل صف وكلٌّ تبع مادته أن يضيف الروابط التي يجدها ضرورية لشرح درس معين ولا سيما وأن هناك روابط تعليمية قيمة جداً بخاصة باللغات الأجنبية وفيها شروحات وافية تناسب برامجنا. كما أننا في صدد تصوير فيديوات للأساتذة يقومون في خلالها بشرح درس معين ثم تحميل الفيديو على يوتيوب وبعدها مشاركة الرابط مع طلاب الصف المعني. وهذا يتطلب منا ومن الأساتذة جهداً جباراً تقنياً ومعنوياً وكذلك كلفة مادية عالية لتأمين صورة نظيفة واضحة. كما فكرنا بإعداد نسخ عن هذه الشروحات المصورة على أقراص مدمجةCD بغية توزيعها على الطلاب في حال لم يتمكنوا من مشاهدة الفيديوات المصورة عبر الروابط الإلكترونية. ويمكن لكل معلم او معلمة أن يتلقى اسئلة طلابه عبر الواتساب والعمل على الإجابة عنها عبر غروب الصف ليستفيد الجميع من كل سؤال وإجابة. نقوم ضمن قدراتنا بكل ما يلزم لتأمين استمرارية العام الدراسي لكننا لسنا مزودين بعد بمنصات تفاعل مباشرة بين الأساتذة والطلاب كما بعض المدارس الكبيرة او الجامعات لكننا مع ذلك قد نتمكن من إنقاذ ما امكن من العام الدراسي وهذه ليست المرة الأولى التي نختصر فيها البرنامج ونقلص العام الدراسي فقد سبق وقمنا بذلك في عز ايام الحرب الأهلية ولا سيما في العام 1989. واليوم التاريخ يعيد نفسه بشكل اسوأ.

الصفوف الافتراضية حلت محل الصفوف الواقعية كما حلت الهوية الرقمية للطالب مكان صورته ووجهه. وبدل اللوح والمكتب والمنصة العالية يقف عليها الأستاذ شارحاً في ظل جو من الإصغاء التقي، أتت من خلف الشاشة تعابير جديدة تضع مسافة بين الأستاذ وطلابه وتبقي الجميع آمنين في بيوتهم من دون ان تلغي المسافة الفكرية بينهم بحيث يبقى التواصل حاضراً وفعّالاً ولو عن بعد. 290 مليون تلميذ في العالم بحسب الأمم المتحدة متأثرون بشكل أو بآخر بتداعيات فيروس كورونا ولا بد من إيجاد سبل تعيد انتظام تحصيلهم العلمي.

GoogleClassroom، Microsoft team، black board،سكايب، سكايب بيزنس، زووم، يوتيوب، هي المنصات الإلكترونية التي لجأت إليها المدارس والجامعات اليوم للتعليم عن بعد.التطبيقات التعليمية على هواتف أبل واندرويد، الفيديوات والروابط المختلفة، الأقراص المدمجة،، وبالطبع التواصل مع الطلاب عبر البريد الالكتروني ومجموعات الواتساب هي العدة الأكترونية التي حلت محل الصفوف وساعات التدريس اليومية لتأمين وصول المناهج أو على الأصح جزء منها الى الطلاب.

في جولة على بعض الجامعات نجد أن كلاً منها اعتمدت وسائل تفاعلية مختلفة للحفاظ على التواصل بين الطلاب والأساتذة، كما اختلفت هذه الأساليب بين اختصاص وآخر. فبعض الدروس أكاديمي يأتي على شكل محاضرات يلقيها الأستاذ فيما الطلاب المشاركون يستمعون إليه عبر السكايب او غيرها من المنصات ويطرحون عليه الأسئلة كل بدوره أو على شكل عروض power point يعدها الأستاذ ويشارك بها طلابه عبر الشاشة. اما المواد التطبيقية فيطلب من التلامذة تحضير مشاريعهم والأعمال التطبيقية ثم عرضها على المنصة ومشاركتها مع الصف ليقوم بعدها الأستاذ بمناقشتها مع الطالب المعني وبمشاركة الصف كله. فاقتسام الشاشة أمر طبيعي يتيح للكل التفاعل ومشاركة اعمالهم كما يتيح لهم التواصل في ما بينهم كما لو كانوا جالسين جميعهم في غرفة صف واحدة. من خلال رقم سري يمكن للطالب الدخول الى المحاضرة من اي مكان خارج جامعته عبر حاسوبه او هاتفه. ومن منزله يعطي الأستاذ محاضرته للطلاب بشكل مباشر وفي موعدها المقرر ويتفاعل مع تلاميذه كما لو كان بينهم. إنه الغد يسابق الكورونا.

على الرغم من حسن النية لدى الجميع بإنقاذ العام الدراسي أو أقله إنقاذ ماء الوجه تجاه الطلاب وأهلهم، يبقى أمام التعليم عن بعد الكثير من العثرات والصعوبات ليس أقلها حالة الإنترنت في لبنان. وعلى الرغم من وعد وزارة الاتصالات بزيادة سرعة الانترنت مجاناً في معظم المناطق اللبنانية لحث الناس على البقاء في بيوتهم وتفعيل التعليم عن بعد فإن ثمة صعوبات كثيرة تعرقل هذا الأمر.

ويقول أحد خبراء الانترنت من مؤسسة كرم سوليوشن للاتصالات أن سرعة الانترنت لا تتوقف فقط على تسريعها من قبل أوجيرو أو شركات الإنترنت الخاصة بل أن الأمر يتوقف على وجود ألياف بصرية أم لا. فالمناطق التي لم تصلها هذه الألياف بعد لا يمكن لخطوط الهاتف النحاسية فيها أن تحتمل سرعة قوية في الانترنت وستبقى سرعة الكونكشن فيها موازية لقدرة الخط على التحمل. لذلك فإن حال الانترنت في الكثير من المناطق سيبقى على حاله وسيواجه التعليم عن بعد صعوبات كثيرة ومنها البطء في تحميل المواد وتنزيلها وصعوبة إجراء الأتصال عبر الفيديو إضافة الى مشاكل و(تمغيط) في الصوت وتقطيع وما الى ذلك من مشاكل معهودة. ومن جهة أخرى لا بد من التنبيه الى أن الفيديو كول او التواصل عبر الفيديو يستهلك الكثير من طاقة الانترنت فإذا كانت بعض البيوت قد اعتمدت شراء باقة محدودة كل شهر للحد من مصروف الانترنت أو لعدم قدرتها على دفع مبالغ أكبر فإن الباقة سوق تستنفد سريعاً ويجد اهل البيت أنفسهم بلا اتصال بالانترنت. فهذه الأمور كلها تحتاج الى كمية لا محدودة من الجيغابيتز ويصح هذا بالنسبة للأشخاص الذين لديهم اتصال بالانترنت عبر الخدمة WIFI أما من يعتمدون على خدمة 3G في الهواتف فقط فمن المستحيل أن يتمكنوا من متابعة الدروس عن بعد إلا ما كان منها بشكل بدائي ومختصر جداً.

ومن الصعوبات التي تسجل أيضا على الصعيد التقني وجود أنواع مختلفة من الكمبيوترات بين ايدي الطلاب في البيوت. فبعضها مثلاً بحاجة الى تقوية وتحديث ولا يحتمل التطبيقات الجديدة فيما بعضها الآخر يحتاج الى برامج جديدة وحديثة لمجاراة متطلبات التعليم عن بعد وبعضها قد لا يكون مجانياً. كما ان بعض العائلات لا تملك اكثر من جهاز واحد ينبغي تقاسمه بين كل أفراد العائلة. هذا من دون أن ننسى بحسب الخبير وضع الكهرباء في لبنان الذي يحتم وجود UPS لتخزين الطاقة مع كل جهاز راوتر حتى لا ينقطع الاتصال بالأنترنت في كل مرة ينقطع فيها التيار الكهربائي وما أكثر هذه المرات.

التفاوت الطبقي حتى عن بعد

لا شك ان كبريات المدارس في لبنان وجامعاته قد استعدت كما يجب للاستحقاق القادم وكذلك استعد تلاميذها لكن ماذا عن الأقل حظاً من هؤلاء ماذا عن المدارس الصغيرة في بيروت او الضواحي والأطراف؟ هل هي مجهزة فنياً وتقنياً وإنسانياً لهذا الأمر؟ وماذا عن الأزمة المالية التي تشكو منها معظم المدارس بعد سلسلة الرتب والرواتب المشؤومة، خصوصاً وان الكثير من الأهل باتوا غير قادرين على تسديد الأقساط في ظل البطالة التي يعانون منها؟ كيف بإمكان هذه المدارس شراء المستلزمات التي تعنى بالتعليم عن بعد وكيف يمكن أن تعمل على تدريب اعضاء هيئات التدريس فيها؟

ماذا عن المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية؟ هل اتخذت وزارة التربية إجراءات معينة بهذا الشأن؟ ام كعادتها تركت مدراء المدارس وعمداء الكليات يتخبطون وحدهم لإيجاد الحلول؟

ويبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه للمزيد من التساؤلات. ماذا عن الاختصاصات التي تحتاج الى ادوات عملية ومختبرات؟ ما هو موقف الأهل من إنفاق المزيد والمزيد على مستلزمات التعليم عن بعد لا سيما وأن السؤال الأساسي الذي يراودهم: هل ستحسم لنا المدارس أو الجامعات من الأقساط نتيجة بقاء أبنائنا في البيت، أم سيجبروننا في الغد على دفع قسط فصل لم يستفد منه الطلاب كما يستحقون؟ وماذا عن الصغار هل سيأخذون الأمور على محمل الجد وكيف سيتمكن الأهل من مواكبة شروحات قد لا يفهمونها جيداً؟

التلاميذ بدورهم منقسمون بين مؤيد ومعارض. بعضهم لا يبدو راضياً عن هذه الإجراءات ويصرخ غاضباً: بالصف منسأل مليون سؤال حتى نفهم فكيف إذا كان التعليم اونلاين؟ فيما البعض الآخر وجد فيها تسلية تبعد الملل عن قلوب شباب ما ظنوا يوماً أن مرضاً تافهاً سوف يحد من حيويتهم ويجبرهم على البقاء في البيت، وتبعد عن أفكارهم شبح التفكير بمستقبل باتوا يرونه قاتماً وفارغاً كالأيام التي يعيشونها.

 

كيف يعمل Google Classroom؟

يسمح هذا النظام للمدارس بالانتقال إلى نظام بلا أوراق حيث يتم تحضير المعلومات ونشرها من خلال Google Drive، بينما يتم استخدام البريد الالكتروني للاتصال بالتلامذة. يمكن دعوة الطلاب إلى الفصول الدراسية من خلال قاعدة بيانات، باستخدام رمز سري. يشارك هذا النظام في عملية التقويم مع الطلاب والمدرسين. يحتوي كل فصل تم إنشاؤه على ملف منفصل حيث يمكن للطالب تقديم أعماله حتى يتمكن المعلم من تقييمها. يتيح التواصل عبرالبريد الإلكتروني للمعلمين إصدار ملاحظات وطرح أسئلة على طلابهم في كل فصل من فصولهم ويمكن إرفاق عدة أنواع من الوسائل الى الشروحات او الواجبات المقدمة مثل مقاطع الفيديو أو الأوديو وغيرها من الملفات الرقمية. و يتم تخزين الواجبات المنزلية وتصنيفها على تطبيقات Google وبدلاً من مشاركة المستندات عبر الإنترنت، تتم استضافة الملفات على قاعدة بيانات الطالب. بواسطة هذا البرنامح يتمتع الأساتذة بالقدرة على مراقبة تقدم كل طالب، والتعليق على المستندات وتعديلها في أي وقت. وتصحيح الواجبات المنزلية ثم إعادة إرسالها إلى الطالب مع تعليق حتى يتمكن من مراجعتها مرة أخرى من أجل إعادة كتابة الاختبار.