IMLebanon

“بيّاع الجرايد” في صيدا يتحدّى “كورونا”

كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:

لم تمنع كل الحروب والأحداث التي عصفت بلبنان على مدى نصف قرن ومن بينها مدينة صيدا، وليد الاسكندراني من مزاولة بيع الصحف فجر كل يوم، من الحرب الأهلية العام 1975، مروراً بالاجتياح الاسرائيلي العام 1982، والأحداث الامنية والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة، وصولاً الى اليوم، يتكرر المشهد مع “بياع الجرايد” من المخاوف المتزايدة من تفشي فيروس “كورونا”، يصمد في وجهه كـ “مقاوم” ويتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

ويقول الاسكندراني لـ “نداء الوطن”، الذي يواظب على الوقوف عند مستديرة “شركة كهرباء لبنان الجنوبي” في صيدا: “أعمل في بيع الصحف منذ 45 عاماً، ولم أتخلف يوماً عن ذلك، حتى في عز االحرب اللبنانية والاجتياح والعدوان الاسرائيلي والاحداث الامنية المتعددة، فالرزق كل يوم بيومه، واذا توقفت عن العمل اعجز عن تأمين قوت عائلتي المؤلفة من الزوجة واربعة اولاد، اضافة الى والدتي التي تقيم معي في المنزل”.

ويؤكد الاسكندراني، “تراجع بيع الصحف الورقية كثيراً، واقفلت بسطة كنت أسترزق منها في “شارع الشاكرية” في المدينة، مع ازدهار عصر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، وجئت الى هنا، حيث اقف منذ الفجر أستلم الجرائد من الموزع القادم من بيروت، وأبيع اعداداً منها، ما زال بعض الناس يفضلون القراءة الورقية، واسترزق بذلك”، مؤكداً أن “لا احد يحب المخاطرة في حياته ولكنها سنة الله، ولا نستطيع تحمل الجوع بسبب الكورونا”.

استنفار واقفال

ميدانياً، ولليوم الثاني، التزمت صيدا بـ “التعبئة العامة” و”حالة الطوارئ الصحية”، فأقفل السوق التجاري بشكل كامل، كما المصارف والمؤسسات الخاصة، باستثناء بعض محلات الصيرفة التي فتحت أبوابها في شارع رياض الصلح الرئيسي، وسط تضارب في سعر صرف الدولار بين 2000 وفي السوق السوداء 2450 ليرة لبنانية، مع الاقبال على شرائه مجدداً.

ورفع أبناء المدينة منسوب الاجراءات الوقائية خشية من تفشي فيروس “كورونا”، حيث ارتدى من اضطر للخروج للعمل او تأمين احتياجاته من المواد الغذائية والتموينية “الكمامات” و”الكفوف” خلال تحركاته، فيما سيرت القوى الامنية دوريات للتأكد من الاقفال وعدم حصول اي تجمعات، وجابت دورية من شرطة بلدية صيدا شوارع المدينة وأحياءها، وهي تدعو اصحاب المحال التي فتحت ابوابها الى الاقفال والالتزام بالمنازل في اطار الوقاية الذاتية.

وفي خطوة لافتة، رفعت مساجد مدينة صيدا دعاء خاصاً لرفع البلاء والوباء في لبنان وحماية العباد، عبر شبكة الآذان المركزي للمدينة وذلك بعد قرار دار الفتوى تعليق صلاة الجماعة في المساجد بسبب المخاوف من انتشار “الفيروس”، بينما تداعت مجموعة من الشباب الصيداوي، الى اطلاق حملة روحية دينية بعنوان “نكبر الله من على شرفات منازلنا”، لرفع هذا الوباء وحماية صيدا وأهلها ولتحفيز الناس على البقاء في منازلهم، وعزل أنفسهم في مبادرات أهلية تتكامل مع الجهود الرسمية والبلدية في مكافحة “الكورونا”.

التزام المخيمات

وواكبت المخيمات الفلسطينية، اجراءات الدولة اللبنانية باعلان التعبئة العامة و”الطوارئ الصحية”، واتخذت القوى الفلسطينية واللجان الشعبية وهيئات المجتمع المدني والطبي وفرق الدفاع المدني سلسلة من القرارات الميدانية لمنع تفشي “الفيروس” داخل المخيمات، حيث لم يسجل حتى الآن اي اصابة.

وترأس سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور، اجتماعاً تشاورياً مع مدير “الاونروا” كلاوديو كوردوني، بحضور أمين سر فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” فتحي ابو العردات، امين سر “تحالف القوى الفلسطينية” في لبنان احمد عبد الهادي، المدير العام لجمعية “الهلال الاحمر الفلسطيني” الدكتور سامر شحادة، مدير الخدمات الطبية الدكتور دياب العوض ومسؤول الضمان الصحي الفلسطيني الدكتور محمد داوود، حيث اكد المجتمعون ضرورة مواجهة خطر “كورونا” وتوزيع المسؤوليات بين الجميع والتزام المخيمات بحالة التعبئة العامة التي اعلنتها الحكومة اللبنانية والتنسيق مع وزارة الصحة العامة اللبنانية. وخلص الاجتماع الى قرارات اجرائية، اولها: “تشكيل هيئة تنسيقية صحية مشتركة من ذوي الاختصاص وتشمل كل المؤسسات الصحية العاملة في الوسط الفلسطيني، بهدف التنسيق الدائم في ما بينها لمتابعة التطورات اولاً بأول وتنسيق آليات العمل لمواجهة فيروس كورونا”، وثانيها: “الاتفاق على ان تتولى وكالة “الاونروا” رئاسة اللجنة وعلى التكامل والتعاون بين المؤسسات لتقديم افضل الخدمات من خلال الندوات الارشادية وتحضير اماكن للحجر الصحي في حال انتشار الفيروس”، وثالثها: “تأمين الامكانات لتجهيز هذه المراكز بالتعاون مع الصليب الاحمر الدولي”.

وأوضح دبور، ان السفارة و”المنظمة” جهزتا فرق المتطوعين بملابس واقية، اضافة الى تعقيم المستوصفات والمشافي والمراكز التعليمية والثقافية داخل المخيمات وتعمل على تجهيزها بحيث تصبح قادرة على مواجهة اي طارئ.

وفي عين الحلوة، قرر “اللقاء التشاوري” الذي عقد في مقر “قيادة القوة المشتركة” وشارك فيه “قائد القوة العقيد عبد الهادي الأسدي، ممثلو لجنة تجار سوق الخضار، وكالة الأونروا، جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، الشفاء، النداء، الدفاع المدني الفلسطيني، وعدد من النشطاء، اتخاذ أقصى درجات الحيطة وحماية ابناء المخيم بالتوازي مع خطوات الحكومة اللبنانية. واتفق المشاركون على تنظيم الحركة التجارية في السوق وأحياء المخيم وشوارعه بما يتناسب مع سبل الوقاية والحماية الفردية، وإقفال المحال التجارية ما عدا الصيدليات، المواد الغذائية، الخضار، اللحوم والأفران، واقفال مراكز اللعب واللهو والنوادي الرياضية والمقاهي ومُطالبة الأهل باتخاذ الخطوات الضرورية لضبط حركة الأبناء، وتنظيم عملية مُراجعة الأهالي لعيادات “الأونروا”، بحيث تنحصر بالحالات الملِّحة فقط وذهاب الشخص المريض فقط.