IMLebanon

البشر قبل الحجر (بقلم رولا حداد)

الوقت اليوم ليس للسياسة في لبنان. سنعود حتماً، وفي مرحلة لاحقة إن شاء الله، لـ”النكايات السياسية” والتمريك وتسجيل النقط، إنما رجاءً ليس اليوم في ظل هذه الكارثة الصحية والاجتماعية التي لا تميّز بين الطوائف ولا بين الأحزاب ولا بين الطبقات الاجتماعية.

وصلنا أمس الأحد إلى حوالى 300 ألف إصابة مثبتة بفيروس كورونا في العالم. استغرق العالم حوالى 44 يوماً للوصول إلى رقم 100 مئة ألف إصابة. واحتاج من بعدها 11 يوماً فقط ليصل الرقم إلى 200 ألف إصابة، ولم نستغرق بعدها أكثر من 4 أيام للقفز مئة ألف إصابة إضافية والوصول إلى رقم 300 ألف إصابة عالمياً… فهل من يتّعظ من الأرقام؟

لطالما كانت جدتي تكرر على مسامعي المثل المعروف “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، وإذا لم يعد اللبنانيون إلى تطبيق أمثالهم القديمة بحذافيرها، وفي طليعتها هذا المثل الشعبي، فسيقعون في ورطة حقيقية!

المطلوب من اللبنانيين أن يدركوا أنه في غياب دولة حقيقية قادرة، وفي ظل دولة أعلنت إفلاسها وعاجزة عن تأمين أبسط الحاجات الاجتماعية والانسانية وربما الطبية والاستشفائية لمواطنيها، لا بد للمواطنين من أن يلجأوا إلى أقصى درجات الوقاية في مواجهة كورونا الذي لا يمكن مواجهته إلا بالبقاء في المنازل وعدم الاختلاط مع الآخرين، أيا يكونون.

هذا الوباء الذي غيّر المفاهيم البشرية بشكل خطير، كما اضطررنا إلى الابتعاد حتى عن مفاهيم دينية أساسية مثل “كنت مريضاً فزرتموني” فباتت الحاجة اليوم ألا نزور أحداً وتحديداً المرضى حرصاً عليهم. باتت المفاهيم الدينية اليوم تسمو لتتأقلم مع الحاجات الانسانية الأساسية وأهمها سلامة الانسان والحياة الانسانية.

وفي هذه المواجهة العالمية التي يخوضها جميع شعوب العالم، المطلوب من كل انسان سهل رغم صعوبته: أن يلتزم منزله. صحيح أن هذا الطلب مناقض للطبيعة الاجتماعية للبشر، ولكن لا حل آخر وإلا فسنواجه تفشياً خطيراً ومميتاً للوباء في كل المجتمعات!

المطلوب الصبر لأن الحياة البشرية تأتي أولاً قبل الحجر والاقتصاد والأوضاع المالية والتجارية. الحياة ستعود حتماً. الاقتصاد سينهض من جديد وكذلك السياحة. سنعود إلى السفر والسهر والحياة الاجتماعية. لكن شرط كل ذلك أن نلتزم منازلنا حتى إشعار آخر، وإلا فإن شيئاً لن يتحقق. لا خيار أمامنا سوى أن نكسر حلقة انتشار الوباء عبر الحجر المنزلي، لنحمي أنفسنا وعائلاتنا وأحباءنا وكبارنا وصغارنا.

المعركة صعبة، ولكن أمام أرقام انتشار الإصابات وأعداد الوفيات عالميا لا خيار أمامنا سوى خوض المعركة بالصبر والنفس الطويل حتى هزيمة الوباء. عسى أن نخرج من هذه المعركة العالمية بإنسانية أكبر، وبإدراك أن كل الانتماءات الدينية والسياسية والحزبية والعرقية لم تنفع، وأن ما ينفع هو التضامن والالتفاف الانساني، لأن فيروساً صغيراً جداً أثبت أن كل أموال الدنيا لا يمكن أن تنفع مالكها ما لم تكن البشرية محمية ومجهزة صحياً وطبياً… على أمل أن يدرك الجميع أن البشر أهم من الحجر.