IMLebanon

ماذا لو بعصا سحرية تمّ شطب ديون لبنان؟

كتب فؤاد زمكحل في صحيفة “الجمهورية”:

منذ أشهر، وبضعة أسابيع ثقيلة، غرق بلدنا في هوس الدين العام الذي تجاوز حتى الآن عتبة الـ 90 مليار دولار. وأقرّت السلطات، إنّه سيكون من المستحيل الوفاء بالأقساط القادمة من هذا الدين المتراكم، وأعلنت بالفعل التوقف عن سداد سندات «اليوروبوند».

سبّب قرار وقف دفع الديون، وهو الأول من نوعه بالنسبة للبنان، حالة من الإرباك لدى اللبنانيين والتي يمكن فهمها تماماً، خصوصاً أنّ من الصعب حالياً توقّع عواقبها من حيث انخفاض قيمة العملة (مع تداعياتها الخطيرة على القوة الشرائية)، والاستيلاء على الممتلكات العامة في الخارج أو بيع أصول الدولة. أضف إلى ذلك، حالة من عدم اليقين الضار الناشئ من رقابة على الرساميل (capital control) ولكن غير مشرّعة بعد، ومن خطر الـ haircut الذي لم يتمّ لغاية الآن تحديد معالمه ومداه.

بالفعل، يرى البعض أنّ حصّة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي يجب ألّا تتجاوز 80% بالنسبة لبلد مثل لبنان، وبما أنّها تجاوزت حاليًا 180% تقريباً، فإنّ ما حدث هو أمر كان لا مفرّ منه. حالياً، الحاجة الملحة والأولوية والالتزام الساحق هو لخفض هذه النسبة بأي ثمن مهما كانت التضحيات.

 

ولكن، تخيّلوا للحظة أننا استيقظنا على الأخبار المذهلة، التي مفادها، أنّ جميع ديوننا العامة قد تمّ مسحها بضربة عصا سحرية، فهل ستكون هذه نهاية مشكلاتنا؟

هل سيجعل ذلك الدولة أكثر فعالية وكفاءة؟ هل سيزيل ذلك الفساد وسوء الإدارة؟ هل سيؤدّي ذلك إلى إنشاء شبكة أمان اجتماعي للبنانيين الأكثر فقراً؟ هل سيؤدي ذلك إلى نمو اقتصادي سليم ومستدام؟

تُظهر تجربة لبنان على مدى السنوات الثلاثين الماضية، أنّه لا توجد علاقة سببية وأثرية بين الدين والأداء الاقتصادي للدولة والمجتمع. ولكن العلاقة هي عكس ذلك تماماً، أي أنّ هذا الأداء هو الذي يحدّد مصير الدين. يسارع المتحمسون للاقتراض إلى طمأنتنا، بأنّ الساحر سيستخدم العصا ليقودنا بصرامة، وأننا سنشهد في الوقت نفسه تحسين الأداء وسداد الدين.

دعونا نفتح أولاً هلالين للتذكير بأصول هذا الدين.

منذ نهاية الحرب، أدّت السياسات النقدية والمالية القصيرة النظر والمكلفة والفاسدة وغير السخية بالنسبة للشعب الأقل حظاً، إلى إثارة الاستياء والتسبّب بعدم الكفاءة الاقتصادية والمديونية المفرطة. من خلال تأثير سلبي، حافظ هذا الأمر على النمو عند حدّ دون المستوى الأمثل.

لحسن الحظ، فإنّ القوة الجوهرية للاقتصاد اللبناني، والتحويلات الخاصة للبنانيين من الشتات، والتدفقات الكبيرة لرأس المال من الخارج، كل هذا جعل من الممكن تمويل ازدهار معيّن وتعزيز سوء الإدارة على حد سواء، ولكن أيضاً ساهم في إخفاء أوجه القصور في هذا النموذج.

بعد إغلاق الهلالين، لنتخيّل الآن أننا نستيقظ على خبر مذهل وعجيب، ألا وهو أنّ الدولة أصبحت فعّالة واجتماعية وخالية من كل الفساد وانّها تولّد النمو. وغني عن القول، إنّه سيكون في إمكانها تخفيض الدين في بضع سنوات، ولن يطرح الاقتراض أي مشكلة، حيث سيكون له غرض مفيد وحتى سيكون بالإمكان زيادته.

كما نرى، ليس من الضروري دفع الدين، بل إنّ أداء الدولة هو الأمر الجوهري هنا. لذلك، إذا كان يحق لنا التعبير عن رغبة واحدة، واحدة فقط ، فلا ينبغي أن تكون سداد الدين بل تحسين النظام.

لكن من أين يجب أن نبدأ؟

يبدو من الواضح، أنّ من الضروري أولاً تحديد رؤية للبلاد، حيث انّ الدولة هي في النهاية مجرد أداة في خدمة الأمّة.

يجب أن تتماشى هذه الرؤية مع طبيعة لبنان، بلد من المشرق، يتميّز بفرح العيش، حسّ الجمال، جودة التعليم، حسن الضيافة والابتكار، وحب التجارة والتمويل. إلى هذه الخصائص شبه المتوارثة – والموجودة لدى اللبنانيين في جميع أنحاء العالم – يجب إضافة الاهتمام بالتميّز والأداء الأخلاقي. ودون الخوض في توضيح أعمق، نعتقد أنّ هذا يجعل من صناعة الثقافة والمعرفة المحور الرئيسي للاقتصاد اللبناني.

لا يمكن أن نختتم دون ذكر الكارثة (Covid-19) التي تؤثر على العالم وانعكاساتها على لبنان. ومن المفارقات أنّ هذا يقوي حجتنا. في الواقع، للهروب من الكساد والركود، مثلما حدث عام 1929، سيتعيّن على البلدان المتطورة ضخ سيولة هائلة في الاقتصاد العالمي، وأن تقبل لنفسها نِسب دين عالية للغاية. عادة يُنبئ هذا بارتفاع حاد للغاية في التضخّم. بمعنى آخر، هذا يعني أنّ الدولة اللبنانية، عندما سيتعيّن عليها السداد، ستفعل ذلك بعملة منخفضة القيمة (على سبيل المثال، سيكون للدولار في المستقبل قوة شرائية أقل من القوة الشرائية الحالية).