IMLebanon

كيف نشعر بالرضا خلال الحَجر الصحي؟

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

نعيش جميعنا حَجراً صحياً قسرياً، للحدّ من انتشار الفيروس الذي يتسلّل إلى أعز الأشخاص على قلوبنا دون استئذان، من أبناء وأهل وأعزاء مرضى وغيرهم. لكننا نعيش العزلة المنزلية بمرارة وانزعاج وضيق، غير متنبهين لما قد يعطينا من فرص ونتائج إيجابية، على الصعيد الجسدي والنفسي، الشخصي والعلائقي؛ فهل خطر ببالكم أنّ المكوث في البيت لساعات وأيام وأسابيع قد ينعكس بشكل إيجابي عليكم وعلى علاقتكم بمن تحبون؟ هل فكرتم بأنّه قد يكون فرصة للتقرّب من أفراد العائلة الذين سرقه منكم الخروج الدائم والتلهي بالأمور الحياتية؟ هل فكرتم بملء فراغ هذا الوقت بالتأمّل وترتيب الأولويات؟ هلا استفدنا جميعاً من ذلك لفهم ميولنا وأهوائنا ودوافع تصرفاتنا وانفعالاتنا؟

من منا لم يواجه صعوبات وتحدّيات في حياته؟ من منا لم يشعر يوماً أنّه منهك، متعب ومحبط؟ من لم يجرب مشاعر القلق والخيبة والحزن والأسى في الظروف الصعبة والإستثنائية؟

تختلف درجة المراحل الدقيقة في حياتنا بين بسيطة وقاسية وشديدة الحدة، كالتي نواجهها اليوم، والمتعلقة بفيروس كورونا، الذي لا يميّز بين الطبقات ولا الهويات ولا الثقافات؛ فمع هذا الفيروس تساوى الجميع، الأغنياء والفقراء، الرجال والنساء والأطفال، المتعلمين ومن لم يحصلوا على هذه الفرصة، فأصبح الكل سواسية في عين خطر الإصابة بفيروس «كوفيد- 19».

«ضاق خلقي من قعدة البيت»، يقول تيو، إبن الخمسة عشر عاما، الذي يمرّ بأزمات غضب من صراخ وبكاء في وجه أمه وشقيقته. أما السبب في ذلك فهو عدم خروجه لمدة تزيد عن الأسبوعين، وعدم سماح أهله له باستقبال رفاقه في المنزل، حفاظاً على سلامته، وضمانة لعدم انتقال فيروس كورونا إليه؛ أما والدته فتحاول جاهدة إقناعه بتقبّل الأمر الواقع، والقيام بالحَجر بطيبة خاطر، والتمتع بحسنات التزام المنزل، لفترة قد تطول لأشهر.

سوف نضيء تدريجياً على إيجابيات فترة الحَجر، وكيفية التوصل إلى الشعور بالرضا أثناء قيامنا بذلك.

من أهم أسباب عدم تقبّل الإنسان للبقاء في المنزل قسراً، هو أنّه مجبر على القيام بذلك، ولم يختر ذلك بنفسه؛ كذلك ابتعاده عن الرفاهية والتسلية واللهو، بالإضافة إلى حاجته الملحة إلى الإختلاط بالآخرين، وصعوبة التخلّي عن العادات التي عاشها لفترة طويلة. كما لا بدّ من ذكر نزعة الإهتمام بالمظاهر الخارجية من سيارات وملابس ومجوهرات، والخروج الى المطاعم والمقاهي والسفر، وما يترافق ذلك من ترويح عن النفس. والأهم في هذه الاحوال هو التخلّص من الملل والفراغ اللذين يتزايدان كلما ابتعدنا عن وسائل التسلية والأشخاص الذين نستمتع برفقتهم.

نعمة وليس نقمة

لكن هل فكرنا يوماً بسبب خروجنا الدائم؟ بمَ يجذبنا خارج جدران منازلنا أو ما يدفعنا للخروج هرباً؟ انطلاقاً من هذه الفكرة، سوف نحاول إمعان النظر في الظرف الراهن، ونركّز على كونه نعمة وليس نقمة. نحن الآن أمام فرصة للتأمّل بما نمتلك، بالعرفان والإمتنان للأشياء التي نمتلكها، عوضاً عن التركيز بشكل دائم على ما نريد، وما يمتلكه الآخر، دون التنبّه إلى النِعَم التي حصلنا عليها. لماذا نسمح للفراغ والضجر بالدخول إلى ذاتنا بدل الإستمتاع بالهدوء والصبر؟ دعونا نحاول التنفس عميقاً، وقبول المرحلة بترحيب، لنتعلّم أن نشرب قهوتنا في المنزل، لنحضّر طعامنا بأنفسنا، لنتشارك مع أفراد العائلة المواضيع التي لطالما أزعجتنا ولم نعبّر عنها بصدق وصراحة، بل شكونا ذلك لصديق أو قريب، واكتفينا بتجنّب من نعيش معهم.

لنطرح على أنفسنا السؤال التالي: ماذا يفيدني الشعور بالإنزعاج والتوتر، ما دمت سأبقى في المنزل بكل الأحوال؟ لنأخذ القرار بإمضاء هذا الوقت برضا وسلام. كم من أمر كان عليّ الإهتمام به، لكنني لم أملك الوقت الكافي لذلك، فلأبادر الآن.

كورونا، فيروس يهدّدنا في حال خروجنا واحتكاكنا بالآخرين وبالأماكن التي مرّ بها مصاب من قبلنا، لكنه ليس المرض الوحيد، إذ يخسر العالم كل يوم الآلاف بأمراض القلب والسرطان، بالحروب وحوادث السير. أما بالنسبة لكورونا، فالقرار بيدنا، لدينا الخيار في أن نخلّص أنفسنا ومن نحب من الموت، فلنتعاط مع الأمر بوعي ونضوج ونغتنم متعة ذلك بفرح ورضا.