IMLebanon

هل عدنا إلى لغة التهديد؟ (بقلم رولا حداد)

يبدو أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يصرّ على لعب دور “مرشد الجمهورية اللبنانية”، أو على الأقل مرشد الحكومة الحالية، وهو لذلك بات يعتمد سياسة الإطلالات الأسبوعية لإعطاء إرشاداته وتوجيهاته، متجاوزاً رئيس الجمهورية ورئيس المجلس والحكومة!

لكن أخطر ما في إطلالته الأخيرة مساء السبت هو أنه استعمل لغة بالغة الخطورة، إذا قال إنه “في حال وصلت الحكومة إلى أنها غير قادرة على القيام بأي أمر في هذا المجال، يكفي أن تقول الحكومة أنها عاجزة”، ملمّحاً أن أن الحزب قد يتحرك في هذه الحال.

لا يختلف اثنان في لبنان على أن المصارف أخطأت التصرّف حيال المودعين، كما أخطأت بالمبالغة في الجشع عبر الاستثمار في سندات الخزينة والرهان على أن السلطة في لبنان ستقوم بإصلاحات وتأتي بالأموال، وبالتالي أنها ستستمر بدفع استحقاقاتها. ولكن في المقابل فإن القطاع المصرفي في لبنان هو القطاع الوحيد الذي عمل بشفافية ودفع كل الضرائب المتوجبة عليه ولم يُخف يوماً الأرباح الطائلة التي كان يحققها، ولربما كان من المفيد على السيد نصرالله أن يوجّه لومه وعتابه إلى شريكه وصديقه الرئيس نبيه بري لامتناع مجلس النواب عن إقرار القوانين اللازمة لزيادة الضرائب على أرباح المصارف، عوض تهديد المصارف لأنها حققت أرباحاً في نظام اقتصادي ليبرالي حر، أرباح شاركها فيها عمليا جميع المودعين من خلال الفوائد المرتفعة التي نالوها على ودائعهم.

إن أسلوب نصرالله في الهجوم على المصارف وإهمال كل وقائع فساد الطبقة السياسية التي نهبت الخزينة عبر الصفقات والسمسرات وعبر التوظيفات العشوائية وحشو الإدارات بمنطق الزبائنية السياسية، يشي بما لا بقبل الجدل بأن هذا الاستهداف إنما يأتي في إطار تصفية الحسابات السياسية مع المصارف التي التزمت تطبيق العقوبات الأميركية على “حزب الله”، وهي بالفعل لم يكن لديها خيار آخر.

يصرّ نصرالله كما دائماً على محاولة فرض معادلات أمنية ومن ثم سياسية وبعدها دستورية، قبل أن يصل اليوم إلى محاولة فرض معادلات مالية ونقدية تحت وهج السلاح، بعيداً عن أي مصلحة للبنان واللبنانيين.

وتماماً كما في الموضوع المصرفي، أصرّ على إعادة التصويب على المملكة العربية السعودية من باب تأمين المصالح الإيرانية في اليمن متمثلة في مصالح زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، معرّضاً للخطر المصالح العليا للدولة اللبنانية بوجود أفضل العلاقات مع السعودية، كما مصالح اللبنانيين العاملين في الخليج العربي والذين يحولون مليارات الدولارات إلى لبنان سنوياً.

والمفارقة أن نصرالله الذي تحدث عن احتمال سقوط النظام العالمي بدءًا بالنظام الأميركي، وبعيداً عن غياب المنطق في هذا الطرح، بدا مفتوناً كالعادة بالنظام الإيراني ونسي أن طهران تتوسّل اليوم صندوق النقد الدولي، الذي يُشرف عليه عمليا الأميركيون، حفنة من الدولارات لتواجه فيروس كورونا…

لعل أسوأ ما نعانيه يبقى في غياب المنطق، كما في تغييب المصلحة الوطنية العليا وتعريض البلد للانهيار الشامل خدمة للمصالح الخارجية. حمى الله لبنان…