IMLebanon

ماذا نريد؟ (بقلم شادي هيلانة)

لم نعد نريد حرية ولا ديمقراطية ولا سلاماً ولا حقوق انسان ولا بطيخا أحمر ولا أسود، ولا نريد قضية ولا بلداً ولا باسبوراً أخضر ولا أسود ولا تعليماً ولا دفاعا عن أي مبدأ ولا مقدسات، بل نريد فقط أن نأكل ونشرب وألا نموت بفايروس مميت يفتك بنا.

غدت لقمة العيش اليابسة الناشفة هي الشغل الشاغل وأصبح أقصى أمنيات الناس فقط أن تعود الأيام الجميلة التي عاشوها في الماضي يلهون ويمرحون ويتسوقون رغم قساوة تلك الأيام المريرة ولكنها أرحم من الموت بفايروس سبّب الرعب في العالم.

والمضحك المبكي لتلك الصور أن الناس كانت تقف في طوابير طويلة خوفاً من الجوع، لا خوفاً من الإصابة بكورونا. قال ديفيد سافيدج، أستاذ مساعد في علم النفس السلوكي والاقتصاد الجزئي بجامعة نيوكاسل في أستراليا: “إن الاستعداد للكوارث الوشيكة؛ كالكوارث الطبيعية هو تصرف عقلاني، لكن شراء 500

علبة فاصوليا مطهوة تحسباً لانقطاع الاتصالات لأسبوعين فقط لا يمت للمنطق بصلة”.

لقد بات البعض يعانون “فوبيا كورونا” و” هلع كورونا” كالشك والقلق من دون أسباب حقيقية بل بسبب الوسوسة وعدم الوعي الكافي، وبسبب وسائل التواصل الاجتماعي. لا أتذكر شيئاً أحدث حالاً من الرعب والهلع في العالم كما أحدث انتشار فيروس كورونا، ربما لأننا لم نعش زمن الأوبئة، ولم نعرف ماذا فعل الطاعون مثلاً!

يمكننا اليوم أن نرى مشاهد اختفت من بيوتنا قديمًا وظهرت مجدداً مثل تجمع الأسرة حول مائدة واحدة والتطرق للحديث في مواضيع تهم حياتهم ومستقبلهم وللتشاور في كيفية إيجاد حلول للمشكلات، واحترام الآباء وسماع نصائحهم، وتصديق مقولة “البيت الذي يتواجد فيه والدك آمن أكثر من باب مقفل بأربعين قفل”.

سيوثق التاريخ أن فيروس كورونا غيّر العالم أكثر من الحروب والمجاعات والأزمات والصراعات وحوّلها مدن أشباح خاوية، ما جعل الناس يغلقون الأبواب والشبابيك بمئة قفل وقفل، فلا صوت يعلو فوق كورونا، ولكن تناسوا أن الأخطر من كورونا هي الشائعات التي تتمحور حوله والتحليلات غير المنطقية وربطها بأمور عارية من الصحة.

هذا الفايروس اجتاح الجغرافيا وتعدى الحدود وغطرسة الدول والحكام، ووضع قواعد الديمقراطية جانباً وأغلق الأبواب أمامها ليسارع الجميع ويبحث عن حلول وملاذات أمنه وسريعة، وأجبر الناس طوعاً بالالتزام في بيوتها خوفاً من انتشار الفايروس، وأشعر العالم أجمع بحال الفقراء والمحتاجين والمنكوبين والمعزولين قهراً أو جبرياً ولقنهم درساً بل دروساً في أن أبواب الله مفتوحة لكل واحد من دون تفرقة أو عنصرية، وأن الإنسان ضعيف وعاجز لا تنفعه أجهزة ولا قوانين ولا معدات ولا أي قدرات تكنولوجية لمقاومة فايروس صغير.