IMLebanon

هل بالدُعاء نرفع الوباء؟ (بقلم شادي هيلانة)

كورونا الوباء الذي تعيشه الانسانية جمعاء، تشنف قلوبنا وتطرب أرواحنا يوميا، اشكال وصيغ من الابتهال والدعاء لله تعالى، وترتطم أسماعنا وأبصارنا في الوقت نفسه، بالكثير من مضامين أدعية ليست مُحايدة، بل مُثقلةٌ بِتعمُّدٍ شديدٍ بعواطف تسوِّقُ لِخطابٍ عنصري أحول، قُطْرِيٍّ، أو طائفي أو مذهبي، مُخجِلٍ لأنه يدعو ربَّ كلِّ الناس، إلى أن يرفع البلاء عن طائفتها دون إشارة إلى شركائها في الحياة من الطوائف الأخرى معها او من حولها. ظانين بحسن نية أو عن جهل أو سوء مقصد، أنَّ الله لم يهد قوما سواهم. متناسين حق كل ملل الناس، في الحياة السليمة الكريمة.

وحين أقرأ لأصحاب الفُرقَةِ الإيمانية في أيِّ مجتمع تعددي، أو أستمع لمنطق أدعيتهم المثقلة بثقافة تحتكر الرب لها، المُصادِرَةِ لحسابِ المصالح ودرء المفاسد، تذهبُ نفسي إشفاقا وحسرة عليهم، وعلى ما فيه من غرابة ومن شذوذ. فالله لم يَصْطفِ خِلْقا لاستخلافهم في الأرض ثم يكرههم. فمن يحب الله حقا، يحب كلَّ ما خلق. ومن يحب جماعته، يحب الاخرين شركاءه في المحنة. فالاختلاف والتنوع على مدارج الايمان، هو الفطرة الأولية في خلق الناس. بعيدا عن الاسباب والخلفيات لما نحن فيه من اختلاف وتنوع، من الضروري التأكيد على انه تنوع لا يفرقنا، ولا يبعث الريبة فينا ولا الشك ولا الخوف من بعض.

حين ندعو إلى الاصلاح والتغيير، علينا أن نبدأ بثقافة الانغلاق التي تكرست في نفوس البعض. ففي المجتمع التعددي الديمقراطي الذي ننشد، لا مكان لثقافة الاتهام، ولا للتكفير أو للنبذ. فما هو موحد فطرة بين الناس، أعم وأهم مما هو متفاوت ظرفيا بينهم، وأن القيمة الانسانية في جميع الناس متساوية، وأن التفاوت بينهم يكون بتلك القيم المكتسبة بجهد شخصي، وأن كل تعامل بين الناس يجب ان يكون بميزان العدالة. فسنة الله قسطاس مستقيم، لا تُحابي أحدا ولا تجافي أحداً.

بما أن هدف الدعاء رفع البلاء وتحقيق النماء، دعونا ندعو بِنِيَّة شُمولية. فالوطن السويُّ يحتضن كلَّ أهله، ويؤمن لهم كلَّ أسباب الحياة الكريمة المستدامة، في حالة من التعاون المتجه نحو الانصهار. الابتلاء عدو يحاصرنا جميعا، علينا التعامل مع عواقبه متعاونين، تماما كما نتعامل مع مسبباته .

أعلم صعوبة العيش في واقع، بعض ناسه صمٌّ بُكمٌ عُميٌ. لا يَصدَعون لحقائقِ العلم ومكتشفاته، ولا لمقتضيات الإيمان وتبعاته. على قلوبهم وعلى عقولهم أقفال صدئة، لن ينفع معها زرعُ سبعُ سنينا من الحب .

أيها الناس، الأدعية سلاحٌ، والسلاحُ بِضاربه لا بحده. فمتى كان الدعاء صالحا وبلا آفة به، يحصل التأثير وتتحقق المنفعة إن شاء الله. لا نعرف مالذي يختبئ لنا خلف المنعطف، لكن من يعرف الله منا، يتسع عليه كلُّ ضيق، ويعرف أنَّ ثمة شمس ستشرق كلَّ يوم. أنَّى تُولُّوا وجوهَكم ، ثمة وجه الله. قِفوا بين يديه ، أقبلوا عليه بكل جوارحكم. فسيعامِلُكُم بالاحسان لا بالميزان، وبفضله لا بعدله .

أما أنتم ايها العنصريون، فلكُم دينكم إدعوا بما شئتم ، حتى تتقطع منكم الاحبال الصوتية. أما نحن فلنا ديننا، فلن نفعل مثلكم. سنعمل على تكثير الأوعية الشرعية الوسطية الفعالة، لاستيعاب قِيمَةِ النِّديَّةِ السويَّةِ الكاملة بين الناس، وحماية تفريعاتها، وحسن تنزيلها على الواقع. فالعصر الذي نعيش، هو عصر ترسيخ التعارف والتفاهم، وليس عصر العزلة والعنصرة ونفي الآخر .