IMLebanon

لن نعود الى القمقم! (يورغو البيطار)

في عز أزمة فيروس كورونا التي تخطف أنظار العالم واهتماماته، عادت في لبنان في الآونة الأخيرة نغمة قديمة – جديدة كان الكثيرون قد ظنوا انها طويت الى غير رجعة. رواد هذه النغمة هم بعض الإعلاميين والصحافيين بشكل أساسي، البعض منهم اعتاد مهمة تغيير جلده كما يغير ملابسه، فيما البعض الآخر لا عمل له سوى التهليل المتواصل لمن يكون في السلطة لأهداف لا تخفى على أحد.

اما أساس الحملة فهي إطلاق أبشع النعوت وبث الهجمات المتكررة بحق من يرفع الصوت بوجه الكثير الكثير من ممارسات السلطة المتمثلة بشكل أساسي في الحكومة الحالية، التي يصر البعض على اعتبارها مستقلة، في وقت لا يمر حدث الا ونكتشف مجددًا “كذبة” ما يسمى “استقلاليتها”.

مما لا شك فيه ان الانتقاد لمجرد الانتقاد أمر غير محبب في مطلق الأحوال وليس فقط امرًا مرتبطًا بالسياسة او مراقبة عمل الحكومات او غيره، لكن ما لا يمكن فهمه ان يثور ضد انتقاد السلطة من يطلَق عليهم لقب “السلطة الرابعة”! فأي سلطة هذه تريد من شعب ثار بوجه حكامه بعد عشرات الأعوام من الاضطهاد والإفقار والتجويع أن يسكت عن ممارسات خاطئة تتجلى في اكثر من ملف وعلى اكثر من صعيد؟

ما هي تلك الفلسفة التي تقوم على مراقبة ما هو صحيح وتجاهل ما هو خاطئ؟ هل يريد البعض ان يتحول الشعب الى مصفّق ومطبّل بأي ثمن كي ينتزع هاتان المهمتان من محتكري هذه “المهنة”؟ من قال أساسًا ان دور الشعب يكمن في التصفيق تجاه ما يعتبره البعض تعاملًا ناجحًا في معالجة أي أزمة!؟

إن التلطي خلف ستار “القرف” من “النق” و”النعي” ضرب من الجنون في بلد يرزح مواطنوه تحت ظروف اقل ما يقال فيها كارثية! ألا يدري المروجون لنظرية “القرف من النق” ان سكان ارقى الدول وأكثرها نجاحًا اقتصاديًا واجتماعيًا يلاحقون حكوماتهم على كل شاردة وواردة فهذه حقوق يا سادة وليس الحصول عليها منة من احد فكيف اذا كنا في بلد لا حقوق لنا فيها من الأساس! ولا ضير من التذكير بما اوصلتنا اليه سنوات من الصمت والقبول بالأمر الواقع والرضى بما يقرره لنا الوصي!

ما سبق لا يعني أبدًا انتقاد معظم ما تقوم به الحكومة في ما يتلق بأزمة كورونا، لكن انتقاد تصرف خاطئ من وزير ما خلال وصول اللبنانيين المغتربين حق مشروع ولا يستحق هذا الهجوم اللاأخلاقي على المنتقدين!

وبالمناسبة، هل باتت كل مشاكلنا في البلد، والتي لا تعد ولا تحصى، مقتصرة على الكورونا؟! من المسؤول عن خلق هذا الجو البائس في وقت ان لبنان في قلب الخطر بكل ما للكلمة من معنى قد تطيح بكيانه ومستقبل أبنائه؟ كلا، لن يسكت اللبنانيون بعد اليوم عن كل ما يجري وما يطبَخ في عز التلهي بالأزمة الصحية! فالملفات المدوية تتلاطم من كل جانب من تمرير صفقة سد بسري، الى الفيول “المضروب”، مرورًا بـ”حَرَد” اطراف سياسية في ملف التعيينات، وصولا الى تهديد أحزاب بالانسحاب من حكومة “المستقلين” ومقاطعة أحزاب أخرى لجلساتها… فليعلم الجميع ان الشعب اللبناني لن يسكت بعد اليوم وسيلفظ مجددًا من يحاول اعادته الى قمقم احتاج سنوات طويلة ليخرج منه وكل محاولات تحقيره وتقزيمه لن تنفع بعد اليوم وغدًا لناظره قريب.