IMLebanon

«كورونا» يفاقم الفقر العالمي… والوفيات تلامس 100 ألف

كتب علي بردى:

بعد أسابيع من الانقسامات، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة، وجد أعضاء مجلس الأمن أنفسهم بعد ظهر الخميس أمام وضع لا سابق له، إذ عقدوا جلسة مغلقة طال انتظارها عبر أثير الفيديو، وتداولوا فيها مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كيفية التعامل مع جائحة «كوفيد 19» التي تشل حركة العالم، وفي البحث عن «علاج جماعي» للفيروس القاتل.

وفي ظل تردد واضح من كل من الصين وروسيا استمر أسابيع، طلب هذا الاجتماع تسع من الدول العشر الأعضاء المنتخبين في المجلس: تونس وإستونيا وألمانيا وإندونيسيا وبلجيكا وجمهورية الدومينيكان وسانت فنسنت وغرينادين والنيجر وفيتنام، ولم تشارك الدولة العاشرة، وهي جنوب أفريقيا، هذا الطلب باعتبار أن فيروس «كورونا» مشكلة صحية واقتصادية عالمياً، وليست تهديداً للأمن والسلم الدوليين. ووفقاً لدبلوماسيين في نيويورك، ركز الاجتماع على نداء الأمين العام للمنظمة الدولية من أجل وقف عالمي لإطلاق النار، وعلى مناقشة تأثير الوباء على جدول أعمال مجلس الأمن نفسه، بما في ذلك عمليات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة والاستجابات الإنسانية.

وعقدت الجلسة بينما لا يزال أعضاء مجلس يناقشون مشروعي قرارين منفصلين بشأن جائحة «كورونا»، مشروع القرار الأول بقيادة فرنسية تمت مناقشته حصراً بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى روسيا والصين، بالإضافة إلى مشروع قرار آخر قدمته تونس لبقية الأعضاء من أجل التفاوض. وبحث أعضاء المجلس في الجلسة إصدار بيان عادي، على غرار جملة من البيانات التي صدرت منذ باشروا عقد جلسات عبر الأثير خلال الشهر الماضي، بسبب التفشي الواسع لوباء «كورونا» في ولاية نيويورك.

ومع تفاقم الجائحة، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة نداءً من أجل وقف عالمي فوري لإطلاق النار في 23 مارس (آذار) الماضي، بغية «التركيز معاً على الكفاح الحقيقي في حياتنا». وفي تقرير أصدره الأسبوع الماضي، قدم غوتيريش تحديثاً حول ندائه العالمي لوقف إطلاق النار، واصفاً الجائحة بأنها «أعظم اختبار واجهه العالم منذ تشكيل الأمم المتحدة»، محذراً من «عواقب عميقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، بما في ذلك ما يتعلق بالسلم والأمن الدوليين». وأشار إلى الطرق التي يمكن أن يصبح بها الوباء مزعزعا للاستقرار، ومنها «تأجيل الانتخابات أو فرض القيود على القدرة على التصويت، والقيود المستمرة على الحركة والوصول إلى الغذاء والموارد الأخرى، فضلا عن تصاعد البطالة والسخط على قدرة المؤسسات العامة على الرد، مما يمكن أن يزيد التوترات السياسية». وبالإضافة إلى دعوته لوقف إطلاق النار، ركز غوتيريش خلال إحاطته أمام أعضاء مجلس الأمن على تأثير الوباء والمخاطر على جدول أعمال المجلس. في ندائه العالمي، سلط الضوء على التحديات الخاصة التي تواجه البلدان المتضررة من النزاع حيث «انهارت النظم الصحية» وصار «المهنيون الصحيون قليلي العدد وغالباً ما كانوا مستهدفين»، فضلاً عن اللاجئين والنازحين الذين باتوا «ضعفاء بشكل مضاعف». وكما لاحظ في تقريره الأخير، أفاد بأن بعض الجهات قد تسعى إلى الاستفادة من حالة عدم اليقين التي يسببها الوباء، مما يؤدي إلى زيادة العنف، لافتاً إلى احتمال أن تحاول الجماعات الإرهابية استغلال الوضع. وحذر من أن يخاطر الوباء بصرف الانتباه الدولي عن الوساطة وأعمال منع النزاعات. وناقش غوتيريش أيضاً تأثير الوباء على عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة وقدرتها على تنفيذ الأنشطة المكلفة بها بشكل كامل، علماً بأن المنظمة الدولية علقت عمليات تناوب القوات الدولية حتى 30 يونيو (حزيران) المقبل، إلا في ظروف استثنائية. وتعمل هذه البعثات على وضع تدابير لحماية سلامة وصحة حفظة السلام، بينما تحاول أيضاً دعم استجابات الحكومات المضيفة للوباء. وذكر ببعض الردود الإيجابية على ندائه من قبل عدد من أطراف النزاع، بما في ذلك وقف إطلاق النار، وكان آخرها إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، فضلاً عن الذي أعلنته الأطراف في الكاميرون والفلبين والسودان. ولم تترجم المبادرات الإيجابية الأولية للنداء بعد في أماكن أخرى مثل ليبيا. وشدد غوتيريش على أن ممثليه الخاصين ومبعوثيه الخاصين – وفي بعض البلدان من المنسقين المقيمين – يتلقون كامل الدعم من الأمانة العامة في تعاملهم مع الجهات الفاعلة في الصراع لتحقيق اتفاقات وقف إطلاق النار. وكان أعضاء مجلس ناقشوا تأثير الوباء حتى الآن فقط في سياق حالات الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا وسوريا والشرق الأوسط وأفغانستان ومالي. وأصدروا بيانات تدعو البعثات إلى العمل مع السلطات الحكومية لمنع انتشار الوباء عبر وقف التصعيد أو الوصول إلى وقف للنار وضمان وصول المساعدات الإنسانية وضمان سلامة وأمن أفراد بعثة الأمم المتحدة. لكن الأعضاء لم يتفقوا بعد على بيان أو قرار بشأن الأزمة الصحية العالمية الأوسع.

واقترحت إستونيا أولاً بياناً في 18 مارس، أعرب على أثره بعض الأعضاء بما في ذلك جنوب أفريقيا والصين، عن مخاوف بشأن النص الذي يتجاوز نطاق ولاية المجلس في معالجة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان. ويبدو أن العائق الرئيسي لأي موقف من المجلس يرتبط بالتغلب على الاختلافات داخل الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، ولا سيما الانقسامات بين الصين والولايات المتحدة حول تحديد أصل الفيروس واسمه.

ورأى دبلوماسيون أن «المواقف تسير في الاتجاه الصحيح»، وقد تتخلى واشنطن عن إصرارها على تضمين أيّ بيان أو قرار يصدر عن مجلس الأمن فقرة تشير إلى الأصل الصيني للوباء، وهو التعبير الذي يثير غضب الصين. وأوضح دبلوماسي أن «الهدف هو العمل وتوحيد المجلس وحل الخلافات وإعادة التأكيد على ضرورة المضي نحو قرار في أسرع وقت ممكن».

وترى فرنسا أنه يتعين تسوية الخلافات بين «الخمسة بلدان الكبار» قبل الشروع بالمباحثات بين الدول الـ15، وإلا فلن تفضي النقاشات إلى نتيجة. ومن أجل التوصل إلى ذلك، تسعى باريس منذ أسبوعين إلى تنظيم اجتماع عبر الفيديو يضم قادة الدول الخمس، إلا أن الأمر تعقد بسبب دخول رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى المستشفى والتحفظ الذي تبديه الصين إزاء الالتزام بموعد من دون توضيح محتوى الجلسة.

وقال سفير غربي فضل عدم الكشف عن هويته: «في كل الأحوال، نحن نحتاج إلى بعضنا البعض». وأضاف «لا تستطيع الدول الدائمة العضوية تمرير نص دون تصويت الدول غير الدائمة، كما لا تستطيع الدول غير الدائمة العضوية فرض نص على الدول الأخرى التي تتمتع بحق النقض. يجب التوصل بالضرورة إلى اتفاق. يجب أن نتفق».

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت بإجماع أعضائها الـ193 قبل أسبوع قرارا يدعو إلى «التعاون». ويتعين الحصول على تسعة أصوات من أصل 15 لاعتماد قرار في مجلس الأمن، من دون أن يستخدم أي من الأعضاء الدائمين حق النقض.