IMLebanon

بين الضاحية وطهران… وواشنطن! (بقلم رولا حداد)

من يراقب الرسائل العلنية والخفية التي ترسلها طهران وحارة حريك إلى واشنطن يدرك أن ثمة متغيرات أساسية تطبع محور الممانعة الذي بات يلهث لتقديم أوراق اعتماده إلى “الشيطان الأكبر”!

من إخلاء سبيل عامر الفاخوري من أمام القضاء العسكري في لبنان بالتزامن مع الإفراج عن مايكل وايت في طهران وتسليمه الى السفارة السويسرية، وما تلاه في لبنان من تقديم تعويضاً عن اغتيال أنطوان حايك لتنفيس شارع داخلي غاضب تمثل في اغتيال مقابل لعلي يونس، وليس انتهاءً بمسار إقليمي أنتج وقفاً لإطلاق النار في اليمن والاتفاق على تكليف رئيس المخابرات العراقية السابق مصطفى الكاظمي المقرّب من الأميركيين تشكيل الحكومة العراقية الجديدة… كل ذلك يشكل مساراً متكاملاً من التنازلات الإيرانية على كامل رقعة الشطرنج في المنطقة للأميركيين الذين كانوا استهلّوا عملية إخضاع نظام الملالي باغتيال عنيف وصاعق للرجل الإيراني الثاني عمليا قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والذراع اليمنى للسيد علي خامنئي اللواء قاسم سليماني!

ليس مصادفة أن تستجدي إيران المنكهة تحت وطأة وباء كورونا صندوق النقد الدولي بحثاً عن 5 مليارات دولارات، ولم يكن تفصيلاً الرد الأميركي الصاعق عبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية التي دعت إيران إلى الإنفاق من صندوق التحوّط التابع لخامنئي. فالمطلوب أميركياً واضح: مزيد من الخضوع الإيراني وتقديم المزيد من التنازلات، ولا خيار أمام الإيرانيين سوى تقديم المزيد من الأوراق في مقابل المزيد من التشدد الأميركي عبّر عنه اتهام واشنطن الأخير لطهران بأنها تستمر في تقديم الدعم المالي لأذرعها الميليشيوية في المنطقة رغم أزمتها الداخلية في مواجهة كورونا. وهذا التشدد الأميركي دفع عدداً من المراقبين إلى طرح سؤال أساس: هل تمارس إدارة الرئيس دونالد ترامب مع إيران سياسة العصا من دون الجزرة؟ وأي جزرة يمكن للأميركيين تقديمها لإيران لتشجيعها على الاستمرار في تقديم التنازلات؟

هنا تنقسم الآراء بين نظرتين: نظرة متشددة تعتبر أن الإدارة الأميركية تستغل أوضاع إيران المأزومة لتمارس الضغوط في حدودها القصوى من دون تقديم أي مكسب للإيرانيين، والهدف ليّ ذراع طهران في أسرع وقت ممكن ليستفيد من ذلك الرئيس ترامب في انتخاباته الرئاسية لتجديد الولاية والتي أصبحت على الأبواب، وبين من يصرّ على أنه لا يمكن لطهران أن تقدّم كل تلك التنازلات من دون أن يكون خلف الأكمة، أو تحديداً تحت طاولة المفاوضات غير المباشرة التي لم تنقطع مع الأميركيين ما يشجعها على تقديم المزيد!

الثابت أيضاً أن “حزب الله” الذي يحكم لبنان عبر مثلث المؤسسات الدستورية حالياً، والذي قدّم من التنازلات ما صدم حتى حلفاءه وأبناء بيئته الحاضنة، وصل ليس فقط إلى “تسهيل” الإفراج عن الفاخوري، بل أيضاً إلى حد القبول الخضوع لـ”أدوات الاستكبار العالمي” وتحديداً صندوق النقد الدولي بعد تراجع نوعي في موقف الحزب عبّر عنه السيد حسن نصرالله شخصياً. لذلك يبقى ثمة أسئلة من دون أجوبة واضحة: أي مقابل تسعى إليه إيران؟ وفي أي ساحة من اليمن إلى لبنان؟ والأهم هو أن واشنطن مستعدة لتقديم أثمان إلى طهران أم أن المطلوب أميركياً هو خضوع نظام الملالي قبل المطالبة بأي مكتسبات وهو ما يدفع واشنطن إلى الاستمرار في سياسة فرض العقوبات عليها؟

الثابت أن الأجوبة ستتضح حتماً قبل مطلع تموز المقبل موعد انطلاق حماوة الانتخابات الأميركية… إذا سمحت كورونا!