IMLebanon

خذوا القرار الصحيح ولو لمرة واحدة! (رولا حداد)

لطالما اعتدنا في لبنان أن يضعنا المسؤولون بين خيارين لا ثالث لهما: السيئ أو الأسوأ. لم نشهد في تاريخنا الحديث، وبعد “الطائف” تحديداً، أي خيار جيد. كان على الشعب دائماً أن يسعى إلى السيء تفادياً للأسوأ. ولربما في ثقافة المسؤولين هذه ما يشبه ثقافة نظام البعث في سوريا الذي خيّر العالم بين إجرامه وبين إجرام “داعش”… أي أيضاً السيئ والأسوأ!

فلنعد بالذاكرة إلى كل الملفات في لبنان: في الكهرباء لجأوا إلى البواخر السيئة تحت شعار أن الأسوأ هو انقطاع التيار الكهربائي بالكامل. لم يطرح المعنيون على جدول أعمالهم لا خصخصة القطاع منذ اليوم الأول لتوفير عشرات مليارات الدولارات من الهدر، ورفضوا أن يبنوا معامل جدية بتمويل من الصناديق المانحة وبفوائد متدنية جداً، فدفعنا ما يفوق الـ45 مليار دولار على القطاع وبقينا من دون كهرباء!

في الاتصالات، وتحديداً في قطاع الخلوي حيث خيّرونا بين أن يبقى القطاع بين يدي شركتين خاصتين مارستا كل أنواع الاحتكار ونهبتا اللبنانيين، وبين أن تسترد الدولة هذا القطاع وتديره بأسوأ طريقة ممكنة. لم يكبّد أحد عناء طرح الحل الأمثل في خصخصة القطاع وفتح الباب أمام 10 شركات أو أكثر لمنع الاحتكار، ما يؤمن أفضل منافسة في الأداء والأسعار ويخلق فرص عمل ويعود بالأموال على الخزينة!

المثل مشابه إزاء القطاع المصرفي، فالسيئ ربما كان أن تبقى المصارف تحقق الأرباح من دون فرض الضرائب التصاعدية الملائمة وهذه الأرباح. أما الأسوأ فهو أن يعمد البعض إلى محاولة هدم القطاع المصرفي على رؤوس اللبنانيين. وكم كان أفضل بكل بساطة لو اعتمدنا الحل المثالي والعملي ببناء اقتصاد منتج وأوقفت الحكومات الهدر وسياسات الاستدانة الغبية ودفع الفوائد المرتفعة التي أغرقتنا في الإفلاس!

يمكننا أن نعدد عشرات الأمثلة عن أداء الطبقة السياسية والحكومة المتعاقبة والمجالس النيابية الفاشلة والمتورطة بكل المعاني في إيصال لبنان إلى كارثة الإفلاس وعدم وجود مؤسسات فعلية وبنى تحتية، بل اقتصاد ريعي قائم على الاستدانة والفساد والمحاصصة والتوظيفات الزبائنية.

واليوم يكررون السيناريو نفسه، ويحاول المسؤولون أن يضعونا أمام خيارين بحيث بتنا أمام الأسوأ أو الأكثر سوءًا من خلال إما فرض تدابير ترهق كاهل المواطنين المفلسين وإما انحلال الدولة بالكامل، في حين يتجنبون أن يذهبوا باتجاه الحل الأفضل والذي لا غنى عنه: البدء بتنفيذ إصلاحات جذرية وشاملة تطال مختلف القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية كما تتطرق إلى حجم الدولة والإصلاح الإداري المنشود الذي من دونه من العبثية البحث عن أي خروج من المستنقع الذي عرقنا فيه!

مرة جديدة تصرّ الطبقة السياسية على ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام نحو خيارات كارثية لتجنّب اتخاذ الخيار الصحيح، سواء لإدمانها سياسات الفساد والإفساد أو لعجزها وخوفها من مواجهة أرباب الفساد وحماته… فكيف يمكن للبنان أن ينجو في ظل هذه المعادلات حيث السيئ سيزيدنا غرقاً بينما المطلوب أن نحسن اتخاذ القرارات الجيدة ولو لمرة قبل فوات الأوان!