IMLebanon

هل يسقط «اتفاق الطائف»؟

 

يواجه السياسيون اللبنانيون، الاتهام بأنهم مسؤولون عن الحفاظ على نظامٍ سياسي ومالي فاسد على مدى العقود الثلاثة الماضية. ويلوم هؤلاء «حزب الله» بأنه وراء هذه الاتهامات، وأنه يريد السيطرة على البلاد، ليصبح في نظرهم «الشيطان الأكبر».

وقد فشل نواب «حزب الله» بالحصول على غالبية أصوات البرلمان لإعطاء السلطة للقضاء لتمكينه من محاسبة أي وزير أو مسؤول سابق مُتَّهَم بالفساد منذ العام 1990 لأن حلفاءه رفضوا تقديم الدعم للقرار، ما يشير إلى قيود دستورية لا تعطي الحزب الغلَبة، رغم قوته العسكرية وصواريخه الدقيقة التي أثبتت فشلها أمام محاربة الفساد المتجذّر في البلاد.

ويُطْلَق على الحكومة الحالية اسم «حكومة حزب الله»، رغم أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لم يبد أي معارضة لها من أول الطريق ومنحها فترة سماح بعدما رفض تولي المسؤولية، إلا بحسب شروطه التي تمثّلت بتأليف حكومة تكنوقراط يرأسها هو.

وتَعتبر أوساط مطلعة أن من مصلحة «حزب الله ان يعيش ضمن دولة قوية ومزدهرة لأن الشيعة يمثّلون نحو ثلث السكان وبينهم الطبَقة الأفقر ولا ملجأ لهم خارج الحدود. أما الأغنياء منهم فقد وضعت أميركا بعضهم على لائحة الإرهاب في محاولةٍ لقلب البيئة الحاضنة للحزب ضده. وهي أخطأت باعتبارها الحزب خارجاً عن بيئته وتالياً تستطيع عزْله، ليتضح أنه جزء لا يتجزأ منها».

وبعدما نجح «حزب الله» بإخراج إسرائيل، أَخَذَ أمينه العام السيد حسن نصرالله على عاتقه مهمة محاربة الفساد. إلا أنه يواجه مشكلة حقيقية لأن الحزب غير مستعد للدخول في مجابهة ضمن البيئة الواحدة ما يكبّل يديه في هذا الملف الحساس الذي يشمل أكثر السياسيين اللبنانيين الذين حكموا البلاد.

وتحت مجهر الاتهام يدخل أيضاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي هاجمه رئيس الوزراء دياب واتهمه بالمسؤولية عن تدهور سعر العملة وقلة الشفافية والعمل ضد مصلحة الدولة. وكان سلامة قد «هرب إلى الأمام» لحماية نفسه بتصريحات سابقة لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال فيها إنه يتعرّض لهجوم من «حزب الله»، معلناً «لقد عملتُ بجد لإنشاء لجنة تحقيق خاصة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ولم أتنازل أبداً. أولئك الذين عانوا من قراراتي يحاولون الآن اتهامي بالفساد».

ومما لا شك فيه أن الإدارة الأميركية تحمي سلامة – بحسب تصريحاتٍ لمسؤوليها في محطات عدة – وتعتبره عنصراً «لا يمكن المساس به». وقد عرض أحد حلفاء «حزب الله» على السفيرة الأميركية أخيراً أسماء عدة لتختار أحدها بَدَلَ سلامة على رأس المصرف المركزي، ما يدل على مدى نفوذ واشنطن المباشر، وتالياً فإن «حزب الله» ليس المقرِّر حتى بين حلفائه.

وما يثير الدهشة أن سلامة الماروني تلقى دعماً علنياً من السنّة (الوزير السابق نهاد المشنوق) والشيعة (رئيس البرلمان نبيه بري)، والموارنة (البطريرك بشارة الراعي) ليصطفّ هؤلاء بينه وبين «حزب الله» والمودعين الغاضبين الذين لا يستطيعون الوصول إلى مدخراتهم منذ أشهر والذين يطالبون بمحاكمة المسؤولين عن تدهور الأوضاع المعيشية وسعر صرف الدولار الذي ارتفع إلى مستويات تعدّت ضعفيْ سعره.

ومنذ تسلّم دياب الحكومة، قرّر تغيير سلوك الساسة اللبنانيين الذين حكموا قبله لعقود. فهو أستاذ جامعي كان يدرّس في الجامعة الأميركية في بيروت وقد شكّل حكومة مهنيين وأصحاب اختصاص، عُيِّنَ بعضُهم من السياسيين بمَن فيهم «حزب الله» الذي سمى وزير الصحة حمد حسن.

ويُتَّهَمُ اليوم دياب بسلوكٍ «انتقامي» من السياسيين الذين يشعرون بتهديد لأن هؤلاء متَّهَمون بتحويل مبالغ تُحْسَب بالمليارات من الدولارات إلى الخارج وسط أزمة اقتصادية خانقة سجلت عجزاً مالياً فاق الـ87 مليار دولار.
وسبّب ذلك ردة فعل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي اتهم «حزب الله» بإدارة الحكومة من خلال «غرفة عمليات سوداء للسيطرة على ما تبقى من لبنان». وقد طلب أحد حلفاء الحزب منه «إعطاء شيء ما لجنبلاط ليرضى ويوقف اتهاماته».

وجلَّ ما يطلبه الساسة اللبنانيون وقف ملفات الاتهام وترْك الأمور تسير كما جرت العادة. وقد تحدّى الزعماء (السنّة الحريري والدرزي جنبلاط والماروني سمير جعجع والشيعي بري) دياب، ومن الواضح عدم وجود نية لتسهيل عمل حكومته، خصوصاً أن الدولة كلها تعيش حال غليان واضطراب بدأت في عهد الحريري.
ويطالب دياب بإعادة الأموال المهرَّبة إلى الخارج ومحاسبة حاكم «المركزي» ويحاول تَجَنُّبَ إعلان إفلاس الدولة. وما هو ضروري ذكره أن أزمة «كورونا» زادتْ من الصعوبات الاقتصادية والمالية بوجود بنية تحتية هشة وسوء إدارة وفساد مستفحل.
ويُعتبر اليوم بري «حامي وضامن البلاد»، بسبب مواقفه التي تتناغم مع أهداف «حزب الله». ومهما حاول السيد نصرالله ونوابه تعديل القوانين، فإن المشكلة تكمن في القضاء المسيّس والذي يُعَيَّن من السياسيين، ما يذهب باستقلاليته.

ويختار هؤلاء السياسيون أنفسهم المتَّهَمون بالفساد اليوم أعضاء القضاء ما يمنع أي تقدّم في ملف مكافحة الفساد. وتالياً فقد أصبح الحزب معزولاً بمطالبه ليصبح في موقع سلبي من وجهة نظر خصومه.
لقد دعم «حزب الله» رئيس الحكومة وأعضاءها الذين يحمل بعضهم الجنسية الأميركية وهم ليسوا معادين للولايات المتحدة، ليتمكّن دياب من إدارة بلدٍ في أزمة ويستفيد من دعْم المجتمع الدولي. إلا أن استمرار الاضطرابات والتخريب يُظْهِر عدم نية السياسيين المُوالين لأميركا والذين حكموا البلاد طويلاً بالسماح له بالعمل، بل يسعون لإسقاط الحكومة.

فإذا حدث ذلك واستقالت، فإن فرصاً حقيقية من الممكن أن تظْهر حيث يتخذ الوضع منعطفاً جديداً ضد النظام الطائفي الحاكم في لبنان ما يؤدي إلى سقوط الطائف. وفي احتمالٍ كهذا تختار المجموعة الأقوى قادة البلاد من خلال انتخابات شعبية غير طائفية وتنتهي المحاصصة إلى غير رجعة ليدْخل لبنان إلى مفهوم جديد.