IMLebanon

انتكاسة مبكرة لـ «لقاء بعبدا»

… فتِّش عن السياسة فهي الداء والدواء. خلاصةٌ ترتسم في بيروت هذه الأيام من خلف ظهْر كل الضوضاء الرقمية والتقنية المثارة حول خطة التعافي المالي والاقتصادي التي أقرّتها حكومة الرئيس حسان دياب وطلب بموجبها لبنان رسمياً مساعدة صندوق النقد الدولي.

وفي حين يُنتظر أن تتّسع في الساعات المقبلة رقعةُ الاعتراضات على الخطة التي حمّلت القطاع المصرفي العبء الأكبر من أكلاف الخسائر المالية (قُدّرت بنحو 241 تريليون ليرة على أساس سعر صرف لليرة بـ3500 أمام الدولار) والتي قابلتْها جمعية المصارف بـ«لا» كبيرة، وسط خشيةٍ من أن تصيبَ شظايا إعادة هيكلة الدين العام والبنك المركزي والمصارف التجارية المدخرات الاجتماعية والودائع العائدة للمؤسسات التعليمية الخاصة، فإن المسرحَ السياسي الموازي لمسار الإنقاذ المالي لم يتأخّر في خطْف الأضواء من الحدَث الذي شكّله طرْقُ بيروت بابَ صندوق النقد لمحاولةِ الخروج من أعتى أزمةٍ تمرّ بها «بلاد الأرز» في تاريخها.

وتشير أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر «الراي»، إلى أنه مع حلول ساعة الحقيقة في الملف المالي، استعادت السياسةُ حضورَها في الواقع اللبناني من بابٍ اشتباكي يبدو في جانبِه الداخلي مدجَّجاً بخلفياتٍ تتّصل بـ«دفاتر الصراع» الذي انفجر العام 2005 مع «شطْب» الرئيس رفيق الحريري (الذي يَصْدُرُ الحُكْم في حق المتهَمين الأربعة من «حزب الله» باغتياله بعد أقل من اسبوعين عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان)، أما جانبُه الخارجي فيأتي محمَّلاً بمجريات المواجهة الأميركية مع «حزب الله» كأحد أبرز أذرع طهران العسكرية والذي بات يتحكّم بمفاصل القرار في لبنان.

وفي رأي هذه الأوساط أنه إذا كانت «خطوط التماس» الداخلية المستعادة على تخوم عملية الإنقاذ ومتفرعاتها («مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة») تتمحور حول مسارٍ مزدوج متقاطع أوّله إكمال «حزب الله»، «التحكم والسيطرة» سياسياً مع ما لذلك من أبعاد إقليمية وليس آخِره محاولة «التيار الوطني الحر» تطويع نظام الطائف والارتداد على توازناته الدستورية، فإنّ العين الخارجية على «بلاد الأرز» التي تُصارِعُ الانهيارَ لا تبدو بدورها معزولةً عن «المقاربة الأصلية» للواقع اللبناني من ضمن صراع النفوذ في المنطقة، ولا مستعدّة لجعْل الإنقاذ وموجباته تعلو فوق أولوية تحييد لبنان عن التوترات الإقليمية بمعنى انسحاب «حزب الله» منها.

وبحسب الأوساط الواسعة الاطلاع، ينبغي عدم التقليل من أهمية المكوّنات السياسية في الأزمة المالية والمَخارج منها، متسائلة كيف سيكون متاحاً للبنان النَفاذ باتفاقٍ مع صندوق النقد (بمعزل عن النواحي التقنية) و«السير بين ألغام» الاتجاهات المتشدّدة دولياً في التعاطي مع «حزب الله» والتي عبّر عنها حظْر ألمانيا الحزب على أراضيها وتصنيفه «منظمة إرهابية» وتالياً إنهاء التمييز بين جناحيه العسكري والسياسي وذلك بدفْع من واشنطن الراغبة في جرّ سائر دول الاتحاد الاوروبي إلى هذا المنحى، وسط مؤشراتٍ لدفعة جديدة من العقوبات على الحزب، وتَعمُّد تظهير الإصلاحات التي تعتبرها الولايات المتحدة شَرطية لحصول بيروت على المساعدة الدولية (ولا سيما في الجمارك وضبط الحدود) على أنها من أبواب تقويض نفوذ «حزب الله» في لبنان وضرْب «اقتصاده الموازي».

وفي الإطار نفسه، تسألت الأوساط كيف ستنجح الحكومة في توفير مناخٍ داخلي توافقي على خطة الإنقاذ والاتفاق مع صندوق النقد (إذا حصل)، وهو ما يُعتبر أساسياً في إعطاء رسالة حول جدية التزامات لبنان إصلاحياً، على وقْع انزلاق السلطة إلى عملية «تصفية حسابات» مع خصومها في عز معركة «الحياة أو الموت» المالية والتي تسابق سقوطاً مرعباً في قيمة العملة الوطنية أمام الدولار (ناهزت 4000 ليرة للدولار) وارتفاعاً متوحشاً في الأسعار يزيد من «التهاب» الشارع العائد إلى الأرض استكمالاً لما بدأه في ثورة 17 أكتوبر.

ولعلّ أبرز مؤشر إلى الارتدادات السلبية للاضطرابات السياسية التي تعمّقت في الفترة الأخيرة تحت عنوان تحميل القطاع المصرفي «والأعوام الثلاثين الماضية» مسؤولية الانهيار، كان «انتكاسة» اللقاء الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون بعد غد لعرض برنامج الحكومة المالي – الاقتصادي إذ أصابتْه شظايا انفجار علاقة عون وفريقه مع الرئيس سعد الحريري الذي قرّر أن تقاطع كتلته الاجتماع، في تطوّرٍ يكرّس انقطاع «شعرة معاوية» بين الطرفين اللذين كانا، مع «حزب الله»، أركانَ تسوية 2016 التي أوصلت عون إلى قصر بعبدا وأعادتْ زعيم «المستقبل» إلى السرايا ليستقيل (قبل ستة أشهر) على وهج ثورة 17 اكتوبر.

وجاء بيان مقاطعة «المستقبل» وحيثيات القرار ليثبّت عناوين الاشتباك مع عون، إذ أكدت الكتلة «أن المكان الطبيعي لاطلاع الكتل النيابية على البرنامج هو مجلس النواب»، لافتة «الانتباه الى ممارسات وفتاوى سياسية وقانونية تتجاوز حدود الدستور لتكرّس مفهوم النظام الرئاسي على حساب النظام الديموقراطي البرلماني»، ومشددة على أنها «في صدد إعداد ملاحظاتها السياسية والتقنية والاقتصادية على البرنامج لعرضها فور جهوزها على اللبنانيين».

وسرعان ما أثارت مقاطعة الحريري وكتلته علامات استفهام حول إذا كانت ستنسحب على قوى أخرى حليفة له (مثل الحزب التقدمي الاشتراكي) كي لا يبدو «مُسْتَفْرَداً» في تحميله مسؤولية إطلاق مسارٍ اعتراضي سياسي قد يرتّب تداعيات على صعيد إثارة «نقزة» صندوق النقد وتردُّده بالاستجابة لطلب المساعدة، وسط رصْدٍ للإطلالة السياسية للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عصر اليوم، والتي لن يغيب عنها العنوان المالي ولا قرار ألمانيا بحظْر حزبه.

من جانبه، اعتبر النائب إبراهيم كنعان ان «الخطة الاصلاحية الحكومية هي كناية عن بداية ورؤية ومشروع اطار يجب ان يناقش ويعدّل لا سيما أن الكثير مما تتضمنه بحاجة لتطوير، وهي لم تجب عن اسئلة عدة وهناك علامات استفهام عدة حول بعض مضامينها وكيفية تأمين التمويل المطلوب خصوصاً أن موافقة صندوق النقد الدولي غير مضمونة».

ولم يحجب هذا الصخب السياسي الأنظارَ عن «كورونا» الذي عاد بقوة إلى المشهد الداخلي مع بدء لبنان اليوم المرحلةَ الثانية من تخفيف إجراءات الإغلاق التي تتيح انضمام مؤسسات تجارية بينها المطاعم إلى دائرة المسموح بمعاودتها العمل وفق جدول زمني وبالأيام، في ظلّ مخاوف تتزايد من التفلت الكبير في غالبية المناطق من التزام التعبئة العامة وموجبات السلامة من وسائل وقائية وكمامات، ما يُخشى معه من موجة ثانية من الإصابات قد تخرج عن السيطرة. علماً أنه سُجلت أمس 4 حالات جديدة رفعت العدد الإجمالي إلى 737 (بينها 25 وفاة و200 حالة شفاء).